المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(7-8)

 

موقف المعتزلة من الصحابة وأثر ذلك علي السنة النبوية :

موقف المعتزلة من الصحابة رضي الله عنهم ، لا يقل سوءً وخطراً من موقف الشيعة من الصحابة وأول ما يطالعنا من موقفهم من الصحابة أحد أصولهم الواردة علي لسان أحمد بن يحيي بن المرتضي، وهو تولي الصحابة، والاختلاف في عثمان بعد الأحداث، والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص . وهذا الأصل كما سبق هو أحد الفوارق في الأصول عندهم فهم وإن صححوا خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى من قال منهم بأفضلية علي بن أبي طالب إلا أننا نجد النظام يتطاول عليه، وعلي كثير من أعلام الصحابة كالفاروق عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي هريرة وغيرهم . فلا ندري ماذا يعنون بتولي الصحابة قبل اختلافهم في سيدنا عثمان رضي الله عنهم .

حتى  إذا كانت فتنة سيدنا عثمان رضي الله عنه رأيناهم يشكون في عدالته، فيعلنون التوقف فيه وفي خاذليه وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم، لأنهم أشكل عليهم الأمر في حاله رضي الله عنه قبل الفتنة وبعدها، فتركوا أمره لله عزَّ وجلَّ .

وهذا التوقف والشك في عدالة أمير المؤمنين، حكاه كما سبق الخياط عن واصل بن عطاء، وقال الخياط :" هذا قول لا تبرأ المعتزلة منه، ولا تعتذر من القول به"(1) .

حتى  إذا كانت فتنة علي بن أبي طالب ومعاوية - رضي الله عنهما - رأيناهم ما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها، وما بين موقن بفسقهما معاً، وأعلنوا البراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن كان في شقهما(2)  بل إن البلخي وهو أحد شيوخ المعتزلة تجرأ برميهما - رضي الله عنهما - بالإلحاد، كما سبق .

حكي الإمام عبد القادر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) عن شيخ المعتزلة واصل ابن عطاء زعمه أن فرقة من الفرقتين (أصحاب الجمل وصفين) فسقه لا بأعيانهم، وأنه لا يعرف الفسقة منهما، وأجازا أن يكون الفسقة من الفرقتين علياً وأتباعه، كالحسن، والحسين، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي أيوب الأنصاري، وسائر من كان مع علي يوم الجمل، وأجازا كون الفسقة من الفرقتين عائشة، وطلحة، والزبير، وسائر أصحاب الجمل، ثم قال في تحقيق في الفرقتين : لو شهد علي، وطلحة، أو علي، والزبير، أو رجل من أصحاب الجمل عندي علي باقة بقل لم أحكم بشهادتهما، لعلمي بأن أحدهما فاسق لا بعينه، كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمي بأن أحدهما فاسق لا بعينه، ولو شهد رجلان من إحدى الفرقتين أيهما كان قبلت شهادتهما .

يقول الإمام البغدادي : "ولقد سخنت عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشك شيخ المعتزلة في عدالة علي وأتباعه، ومقالة واصل في الجملة كما قلنا في بعض أشعارنا :

مقالة ما وصلت بواصل *** بل قطع الله به أوصالها(3)

وإذا كان واصل بن عطاء أيقن بفسق إحدي الفرقتين لا بعينها، فقد أيقن بفسقهما معاً وصرح بذلك عمرو بن عبيد كما حكاه عنه البغدادي(4).

وعن طعن المعتزلة في الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - قال الإمام البغدادي في الفضيحة الحادية والعشرون من فضائح النظام : "ثم إن النظام - مع ضلالاته التي حكيناها عنه - طعن في أخيار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم بالاجتهاد، فذكر الجاحظ عنه في كتاب (المعارف) وفي كتابه المعروف بـ (الفتيا) أنه عاب أصحاب الحديث ورواياتهم أحاديث أبي هريرة رضي الله عنهم ، وزعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس، وطعن في الفاروق عمر رضي الله عنه، وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه، وشك يوم وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ، وأنه كان فيمن نفر بالنبي صلي الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأنه ضرب فاطمة، ومنع ميراث العترة، وأنكر تغريب نصر بن الحجاج من المدينة إلي البصرة، وزعم أنه ابتدع صلاة التراويح، ونهي عن متعة الحج، وحرم نكاح الموالي للعربيات ...إلخ .

... ثم إنه قال في كتابه : "إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة، إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم، وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وإما أنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف، وأن يكونوا رؤساء في المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي، فنسبهم إلي إيثار الهوى علي الدين، وما للصحابة رضي الله عنهم عند هذا الملحد المفتري ذنب غير أنهم كانوا موحدين لا يقولون بكفر القدرية الذين ادعوا مع الله تعالي خالقين كثيرين  (5)

وقد ذكر الإمام البغدادي بعد ذلك: "أن نسبة النظام الصحابة إلي الجهل والنفاق يترتب عليه خلود أعلام الصحابة في النار علي رأي النظام، لأن الجاهل بأحكام الدين عنده كافر، والمتعمد للخلاف بلا حجة عنده منافق كافر أو فاسق فاجر، وكلاهما من أهل النار علي الخلود(6)  .

وهذا الذي ذكره الإمام البغدادي وافقه علي أكثر ما فيه الإمام الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل). والإمام ابن قتيبة في كتابه (تأويل مختلف الحديث) وقد أغنانا في الرد علي النظام ومن ذهب مذهبه وعلي كل دعاويه واتهاماته الباطلة لصحابة سيدنا رسول الله رضي الله عنهم بما لا يدع مجالاً للشك في تهافت فكرهم وتفاهة رأيهم، وتحقيراً لشأنهم، الإمام ابن قتيبة (7)  .

وهكذا يظهر واضحاً أن المعتزلة ما بين شاك في عدالة الصحابة، منذ عهد فتنة سيدنا عثمان رضي الله عنه وما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها، وما بين موقن بفسقهما معاً، وما بين طاعن في أعلامهم، متهم لهم بالكذب والجهل والكفر والنفاق كالنظام . مع أن رؤساءهم وخاصة الذين طعنوا منهم في الصحابة - كانوا من الرقة في الدين بحيث يصف أحدهم وهو ثمامة بن أشرس - جمهور المسارعين إلي الصلاة بأنهم "حمير" : وكانوا من الشعوبية والكره للعرب بحيث يقول ثمامة نفسه : "انظر إلي هذا العربي يعني محمد صلي الله عليه وسلم ماذا فعل بالناس؟" فماذا ننتظر من هذا الشعوبي الماجن أن يقول عن صحابة رسول الله رضي الله عنهم ؟ وماذا ننتظر أن يكون رأيه في السنة التي حققها أئمة الحديث ومحققوهم(8) ؟

ولا يقف قدح المعتزلة عند الصحابة فقط، بل يمتد إلي القدح في التابعين رضي الله عنهم وفيمن اتفق الأئمة من المحدثين علي عدالتهم وإمامتهم . وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة لينفروا الأمة عن إتباع السنة وأهلها(9) .


(1)  - الانتصار ص 152، 153.

(2)  - ومن عجيب الأمر أن الخياط يعيب علي المحدثين عدم أخذهم بأصل المعتزلة بالبراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن في شقهما، فيقول [ولقد أفرطوا في ذلك حتي تولوا من قامت الحجة بعدواته والبراءة منه] انظر : الانتصار ص 213.

(3)  - الفرق بين الفرق ص117، وانظر: الملل والنحل للشهرستاني 1 /43.

(4)  - الفرق بين الفرق ص118، وانظر : الملل والنحل للشهرستاني 1 /43.

(5)  - الفرق بين الفرق ص 140-142، وانظر : ضحي الإسلام 3 /86.

(6)  - الفرق بين الفرق ص 143.

(7) - تأويل مختلف الحديث ص 33 - 44.

(8)  - السنة ومكانتها في التشريع ص6، وانظر : تأويل مختلف الحديث ص 54، وانظر : ما قاله الأئمة عن فساد دين رؤوس المعتزلة في تأويل مختلف الحديث ص 28، والفرق بين الفرق ص 143.

(9)  - الاعتصام 1 /186 وما بعدها .

 

 

 



بحث عن بحث