المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(6-8)

 

موقفهم من خبر الآحاد :

وتناقض المعتزلة في حجية خبر الآحاد، فحكى الآمدي عن أبي الحسين البصري جواز التعبد بخبر الواحد عقلاً(1)، وحكي الإمام الجويني عن قوم من المعتزلة، والرافضة قالوا : "لا يجوز العمل به شرعاً"(2)  .

ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي عن الخياط المعتزلي، أنه مع ضلالته في القدر، وفي المعدومات؛ منكر الحجة في أخبار الآحاد، قال الأستاذ أبو منصور، وما أراد بإنكاره إلا إنكار أكثر أحكام الشريعة، فإن أكثر فروض الفقه مبنية علي أخبار من أخبار الآحاد(3) .

تناقض المعتزلة في العدد المطلوب لقبول خبر الآحاد :

ومن قبل خبر الآحاد من المعتزلة تناقض في العدد المطلوب لقبوله، وذهب إلي عدم الاحتجاج به في الأعمال إلا بشروط .

فأما تناقضهم في العدد المطلوب لقبوله . فحكي عن أبي علي الجبائي "أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة"(4) . وحكي عنه أيضاً قوله : "لا يقبل في الشرعيات أقل من اثنين"(5)، ونقل عنه أيضاً قوله : "يعتبر عدد يزيد عن شهود الزنا"(6).

واشترط رجلين عن رجلين "إسماعيل بن إبراهيم بن عليه" وهو من الفقهاء المحدثين، إلا إنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلي الاعتزال، وقد كان الإمام الشافعي يرد عليه ويحذر منه .

ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي : "أن بعضهم اشترط في قبول الخبر : أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلي منتهاه، واشترط بعضهم أربعة عن أربعة إلي منتهاه، وبعضهم خمسة عن خمسة إلي منتهاه، وبعضهم سبعة عن سبعة"(7).

أما من ذهب إلى عدم الاحتجاج به في الأعمال إلا بشروط؛ فاشترط :

1- ألا يخالف ظاهر القرآن الكريم، وهو أحد أصولهم كما سبق، فإذا ورد الحديث مخالفاً لظاهر القرآن الكريم؛ كان دليلاً علي عدم صحته حتى مع إمكان الجمع بين هذا التعارض الظاهري، وهذا الشرط أصل من أصول أهل الزيغ والابتداع من الخوارج والجهمية والجبرية والمعتزلة كما حكاه عنهم الأئمة : ابن قيم الجوزية(8)، والشاطبي(9) ، وابن قتيبة(10) وغيرهم .

2- كما اشترط بعضهم ألا يخالف خبر الآحاد العقل: قال أبو الحسين: لم يقبل ظاهر الخبر في مخالفة مقتضي العقل، لأنا قد علمنا بالعقل علي الإطلاق أن الله عزَّ وجلَّ لا يكلف إلا ما يطاق وأن ذلك قبيح، فلو قبلنا الخبر في خلافه، لم يخل، إما أن نعتقد صدق النبي صلي الله عليه وسلم . في ذلك فيجتمع لنا صدق النقيضين، أو لا نصدقه فنعدل عن مدلول المعجز وذلك محال(11).

3- كما ذهب فريق الاعتزال إلي أن خبر الآحاد لا يقبل فيما طريقه الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد إنما ينبني علي اليقين لا الظن، وخبر الآحاد إنما يفيد الظن(12) ، وأما اليقين فإنما يؤخذ من حجج العقول؛ كما قال الجاحظ : " وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل"(13) .

وقال :" والاستنباط هو الذي يفضي بصاحبه إلي برد اليقين، وعز الثقة، والقضية الصحيحة، والحكم المحمود "(14).

وقال القاضي عبد الجبار : " وإن كان - أي خبر الآحاد - مما طريقه الاعتقادات ينظر، فإن كان موافقاً لحجج العقول قبل واعتقد بموجبه، لا لمكانه بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقاً لها، فإن الواجب أن يرد ويحكم بأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يقله، وإن قاله فإنما قاله علي طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يتأول"(15)  .

بل زعموا أن من أخبار الآحاد ما يعلم أنه بروايته ارتكب عظيماً، مما روي في باب التشبيه والجبر وغيرها من ضروب الخطأ، ولولا الدلالة علي وجوب العمل به علي بعض الوجوه لم يكن في نقله فائدة(16).

وسيأتي الجواب عن هذه الشروط في الرد علي شبه منكري حجية خبر الآحاد .


(1) - الإحكام للآمدي 2 /68، 75، وانظر : المعتمد في أصول الفقه 2 /106.

(2) - البرهان في أصول الفقه 1 /228، 231، وانظر : المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص 238، والمعتمد في أصول الفقه 2 /106 وما بعدها . وفضل الاعتزال ص 195.

(3) - الفرق بين الفرق ص 168 ، وانظر : الملل والنحل 1 /66.

(4) - انظر : تدريب الراوي 1 /72.

(5) - البرهان للجويني 1 /231.

(6)  - المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص 236، 238.

(7)  - تدريب الراوي1 /75، وانظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسةوتقويماً للدكتور عليبن سعد بن ص333

(8)  - أعلام الموقعين 2 /275، 276.

(9)- انظر : الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1 /199.

(10) - تأويل مختلف الحديث ص84 وما بعدها، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص210-212

(11)- المعتمد في أصول الفقه 2 /549، وانظر : شرح الأصول الخمسة ص 565.

(12)- انظر : المعتمد في أصول الفقه 2 /102، وشرح الأصول ص 769

(13) - رسالة التربيع والتدوير، ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.

(14)- كتاب المعلمين . ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.

(15) - شرح الأصول ص 770، وانظر : فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 182، والمعتمد في أصول الفقه 2/549.

(16) - الانتصار ص 152، 153.

 

 



بحث عن بحث