المبحث الثامن ( 3-3) (عجب الذنب)

 

 تنبيه : تبين من التخريج، أن وصف المستدل للماء الذي ينزله الله لبعث الأجساد، بأنه (كمني الرجال) غير موجود في هذا الحديث؛ فبحثت عنه لعلي أجده في أحاديث أخرى، فلم أقف عليه، ووجدت لفظاً آخر – في حديث طويل عن الدجال، والنفخ في الصور والبعث.... – أخرجه مسلم(1)، وأحمد(3)، والحاكم(3)، والبيهقي(4)، كلهم من طريق شعبة، عن النعمان بن سالم، قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي، يقول: سمعت عبدالله ابن عمرو – وذكر الحديث، وفيه: «ثم يرسل الله – أو قال: ينزل الله – مطراً كأنه الطَّل» (5)– أو – «الظِّل» – نعمان الشََّاكُّ – «فتنبت منه أجساد الناس».

   قال النووي: "قال العلماء: الأصح «الطل» بالمهملة، وهو الموافق للحديث الآخر، أنه كمني الرجال"(6). اهـ.

   وهذه الإشارة من النووي، دفعتني لمزيد من البحث، لاسيما وأن وصف ذلك الماء بأنه كمني الرجال، مشهور عند كثير من الناس، ولكني مع كثرة البحث لم أقف إلا على أثر ضعيف وموقوف على ابن مسعود، فيه ذكر الدجال، والنفخ في الصور، والبعث... في سياق طويل، وفيه: قال – أي عبدالله ابن مسعود: "يكون ما بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم إلا وفي الأرض منه شيء، قال:فيرسل الله ماء من تحت العرش، منياً كمني الرجال، فتنبت أجسادهم، ولحمانهم من ذلك".

   أخرجه الطبري(7)، والطبراني(8)، والحاكم(9)، والبيهقي – في البعث والنشور –(10) كلهم من طرق، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبدالله بن مسعود، موقوفاً، اختصره الطبري، وساقه الباقون بطوله.

   قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". اهـ، وتعقبه الذهبي، فقال: "ما احتجا بأبي الزعراء". اهـ. بل لم يخرجا له شيئاً، لا احتجاجاً ولا متابعة.

   وقال الهيثمي: "رواه الطبراني وهو موقوف، مخالف للحديث الصحيح، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أول شافع»"(11). اهـ.

   والمخالفة التي أشار إليها الهيثمي، هي قوله: «ثم يأذن الله بالشفاعة، فيكون أول شافع يوم القيامة: روح القدس، ثم إبراهيم خليل الرحمن، ثم موسى، أو عيسى.... ثم يقوم نبيكم رابعاً...».

   وأبو الزعراء هو (الأكبر): عبدالله بن هاني، يروي عن عبدالله بن مسعود، ولم يرو عنه إلا ابن أخته سلمة بن كهيل، قال الحافظ: (وثقة العجلي)(12)، وذكره ابن حبان في ثقاته، وفي توثيقهما تساهل.

   وذكره البخاري في الكبير، وذكر المخالفة المشار إليها، وقال: "لا يتابع في حديثه"(13).

   فإن كان النووي يعني بإشارته هذا الأثر، فهو أثر ضعيف، وإن كان يعني حديثاً آخر، فإني لم أقف عليه.

   وقد ذهب عبدالحق الإشبيلي، إلى ضعف هذا الوصف – (كمني الرجال) – للماء الذي ينزله الله لبعث الأجساد، فقال: "ويروى أن هذا المطر الذي تنبت منه الأجساد، أنه كمني الرجال، وقد أخبر الله أن إنشاء الأجسام مثل إخراج النبات من الأرض، قال الله سبحانه (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ )[فاطر: 9]. أي كما ينبت نبات الأرض بالماء، كذلك ينبت الأجساد بهذا الماء"(14). اهـ.

   ولعل بعض الناس قاس البعث يوم القيامة، على خلق الإنسان في الدنيا، فحينما رآه يُخلق في الدنيا من المني، ظن أنه يُبعث بالمني أيضاً.

   وقال ابن أبي العز: "وفي حديث آخر: «إن السماء تمطر مطراً كمني الرجال ينبتون في القبور كما ينبت النبات»"(15). وبعض ألفاظه تغاير بعض ألفاظ أثر ابن مسعود الآنف الذكر.

   إلا أن الشيخ الألباني علق عليه على أنه هو أثر ابن مسعود، ثم قال: "ضعيف، أخرجه الطبراني...، وله حكم المرفوع، لكنه منقطع بين أبي الزعراء – واسمه يحيى بن أبي الوليد – [وبين عبد الله بن مسعود؛ لأنه] (16) لم يرو عن أحد من الصحابة، بل عن بعض التابعين"(17). 


(1)     صحيح مسلم – كتاب الفتن – باب في الدجال (4/2258، 2259ح2940).

(2)     المسند (2/166).

(3)     المستدرك (4/550، 551).

(4)     الاعتقاد (ص103 – 104).

5))     (الطل) بالمهملة: – هو أضعف المطر – النهاية (3/136، وفي القاموس: "المطر الضعيف، أو أخف المطر وأضعفه، أو الندى، أو فوقه ودون المطر". (3/92/ مادة: طلل).

(6)     شرح مسلم (18/77)، الذي يظهر لي أنه موافق للحديث الصحيح – الذي مر تخريجه – الذي يقول (ماء) فحسب، والمتبادر للذهن أنه الماء المعروف، وقد مال إلى هذا عبدالحق الاشبيلي، وسيأتي كلامه.

(7)     تفسير الطبري (جامع البيان...) (22/119).

(8)    المعجم الكبير (9/413 – 416ح 9761).

(9)     المستدرك (4/598– 600).

(10) البعث والنشور (2/377– 379ح....).

(11)مجمع الزوائد (10/330).

(12)    تقريب التهذيب ص (327).

(13)    التاريخ الكبير (5/221).

(14)    العاقبة في ذكر الموت والآخرة، ص (258).

(15)    شرح العقيدة الطحاوية، في الإيمان بالبعث ... ص (404).

(16)    ما بين المعفوفتين زيادة يقتضيها السياق، ويظهر أنها سقطت سهواً من تعليق الشيخ الألباني على شرح العقيدة الطحاوية.

(17)    تعليق الشيخ الألباني على شرح العقيدة الطحاوية، ص (404)، ويرى الشيخ أن أبا الزعراء، هو يحيى بن الوليد، والصواب أنه عبد الله بن هانيء، كما بينته، وانظر – إضافة إلى ما سبق من مراجع – الكنى لمسلم (1/346)، والاستغناء (1/645)، والجرح والتعديل (5/195)، وتهذيب التهذيب (6/56).

 

 



بحث عن بحث