التربية الإيمانية(15)
الثمرة الثامنة : التأثير الإيجابي في الناس
ليس على المسلم فقط أن يكون صالحًا في نفسه ، بل عليه أن يعمل على إصلاح غيره ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان/17] .
( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )[فصلت/33].
(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) [الأعراف/170].
فالدعوة إلى الله هي عمل الرسل وأتباعهم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[يوسف/108] .
ونجاح الداعية في دعوته للناس يعني التأثير الإيجابي فيهم .. هذا التأثير يستلزم وجود روح حي ، ورغبة جارفة تهيمن على قلبه تستحثه لإنقاذ الآخرين ، فيخرُجُ كلامه محملًا بالحرقة والشفقة عليهم .. ولا يمكن التلبس بهذه الحالة إلا من خلال يقظة الإيمان وتمكنه في قلبه .
إن الإيمان الحي يدفع صاحبه للبدء بنفسه في القيام بالعمل الصالح قبل أن يدعو الناس إليه ، فيصدق قوله فعله ، ومن ثَمَّ يزداد تأثيره في الآخرين .
يقول سيد قطب : الكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال ، ويؤيدها العمل هي الكلمة المثمرة ، التي تُحرك الآخرين إلى العمل .
ويقول : أيما داعية لا يصدق فعله قوله ، فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب مهما كانت كلماته بارعة ، وعباراته بليغة (1).
القلوب بيد الله :
إن الذي يفتح القلوب لكلام الدعاة هو الله عز وجل فإن رأى منهم صدقًا وإخلاصًا ، ورغبة في نفع المدعوين ، وشفقة صادقة عليهم فإنه سبحانه يفتح لهم – بفضله – قلوبهم .
وكلما علت منزلة العبد عند ربه بالإيمان أحبه الله عز وجل ، ومن ثَمَّ وضع له القبول في الأرض كما في الحديث : « إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل : إن الله يحب فلانًا فأحبه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانًا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض »(2) .
أصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك :
انظر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمشي بجانب راحلة عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يوصيه قبل سفره على رأس الجيش المتوجه إلى الشام قائلًا : « يا عمرو ، اتق الله في سرائرك وعلانيتك واستحيه ، فإنه يراك ويرى عملك .. فكن من عمال الآخرة ، وأَرِد بما تعمل وجه الله ، وكن والدًا لمن معك ، ولا تكشفن الناس عن أستارهم ، واكتفِ بعلانيتهم .. وإذا وعظت أصحابك فأوجز ، وأصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك » (3) .
ولما حضر أبا بكر الموت أوصى باستخلاف عمر بن الخطاب ، ثم بعث إلى عمر فدعاه فكان مما وصاه به :
إن أول ما أحذرك نفسك ، وأحذرك الناس .. فإنهم لن يزالوا خائفين لك فرقين منك ما خفت الله وفَرَقْته (4) .
وعن المِسوَر بن مخرمة قال : كنا نتعلم من عمر بن الخطاب الورع (5)
(1) في ظلال القرآن 4/2369.
(2) متفق عليه ، أخرجه البخاري (رقم 3037) ، ومسلم (رقم 2637).
(3) حياة الصحابة 1/544.
(4) حياة الصحابة 1/541.
(5) أخرجه ابن سعد (3/290).