هدي الرسول  في العمرة (2-3)

وإذا وصل إلى بيت الله الحرام، يبدأ بالطواف سبعة أشواط مبتدئًا بالحجر الأسود، إن استطاع قبّله، وإلا أشار إليه بيده، ويكبر عند بدايته وإذا مر به عند بداية كل شوط، كما فعل ذلك رسول الله ﷺ، ويصلي ركعتين سنة الطواف، ثم يتجه بعد ذلك إلى الصفا، فيرقى عليه ويكبر الله ويدعوه بما شاء من الدعاء، ثم يتجه إلى المروة، ويرقى عليه ويفعل كما فعل عند الصفا، وذلك سبعة أشواط، ذهابه شوط ورجوعه شوط، فيبدأ بالصفا وينتهي بالمروة.

وخلال أشواط الطواف والسعي له أن يدعو الله بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، أو يقرأ من القرآن ما شاء، أو يشغل وقته بالذكر والتسبيح والاستغفار، وبعد نهاية الشوط السابع من السعي يحلق رأسه أو يقصر، والحلق أفضل، لأن رسول الله ﷺ دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة(1)، أما المرأة فليس لها إلا التقصير من شعرها قدر أنملة فقط.

وبهذا تتم العمرة، فيشكر العبد ربه عز وجل على إتمامها، راجيًا أن يتم ثوابها، طامعًا في تكفير سيئاته.

إن للعمرة في رمضان شأنًا خاصًا ومكانة جليلة، ثبت في الصحيح أن المرأة من الأنصار جاءت إلى النبي ﷺ لم تتمكن من الحج معه، فقال لها النبي ﷺ: «إذا كان رمضان فاعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة»(2)، وفي رواية لأحمد: «العمرة في رمضان تعدل حجة معي»(3)، أي: مع رسول الله ﷺ، فالمراد –والله أعلم– أن هذه العمرة تعدل الحج في الثواب والأجر، فإذا كان الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وإذا رجع ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ فإن الذي يؤدي العمرة في رمضان خالصة مقبولة يحصل له من الفضل مثل ذلك، وفضل الله واسع وعطاؤه لا ينفد.

ولقد وعى الموفقون من عباد الله هذا المكسب الرابح، فكثر المعتمرون في هذا الشهر المبارك، جامعين بين شرف الزمان والمكان، فنسألك اللهم ألا تحرمهم الأجر والثواب.

إن هذه العبادة اليسيرة في العمل، العظيمة في الفضل، حريٌّ أن يتأملها كل قائم بها، ويستشعر قيمتها ويتفقه أعمالها، فهي عبادة قائمة على الامتثال والتجرد لله سبحانه وتعالى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء تقبيله للحجر الأسود: «والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك»(4). فالداعي لهذا العمل والدافع له هو الاقتداء بالرسول ﷺ.

ولذا فإن الذي يقوم بالعمرة غير عارف لحكمها، أو بنية تخالطها المباهاة والمراءاة ونحو ذلك، أو قام بأداء الحركات بلا خشوع، أو ردّد الأذكار بلا تدبر؛ فهذا لم يستفد من عمرته، ولم يظهر عليه أثرها، وللأسف؛ فهذا حال كثير من الناس، فهل من وقفة مع النفس لتدارك التقصير، والندم على ما فات؟! فحريٌّ بكل مسلم حريص على رضا ربه أن يؤدي العمرة بالقلب والجوارح معًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (1727، 1728)، ومسلم (1301، 1302).

(2) أخرجه البخاري (1982)، ومسلم (1256).

(3) أخرجه أحمد (3/352).

(4) أخرجه البخاري (1997)، ومسلم (1270).



بحث عن بحث