هدي الرسول في العمرة (1-3)

لا ريب أن رمضان شهر الخيرات والبركات واغتنام الأعمال، فتكثر فيه الطاعات، والسنن المستحبات، ويتسابق الصالحون والموفقون في ميادين الخير والصلاح، مخلصين لله أعمالهم، حريصين على الاقتداء بهدي نبيهم محمد ﷺ، الذي وقفنا على مقتطفات من سيرته، أنعمنا بقراءتها وسماعها، ونسعى إلى تنفيذها في واقع حياتنا، ونستَلْهِم العبر والدروس لاقتفائها والسير على منوالها.

ومن تلكم الأعمال الفاضلة، والتي يتسابق لها المتسابقون اقتداءً بنبيهم محمد ﷺ: العمرة إلى بيت الله الحرام، وخاصة في هذا الشهر الكريم، فالعمرة في رمضان لها مقام جليل، وفضائل كثيرة، وثواب جميل.

والعمرة: هي الإحرام من الميقات، وقصد مكة للطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.

هذه العمرة لها فضل عظيم وثواب جزيل، تكفر بها الذنوب، وترفع بها الدرجات، ويزداد فيها ذكر الله تعالى، فقد جاء في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما»(1). فإذا أدى المسلم هذه العبادة بإخلاص ورغَب ورهَب، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويطلب رضاه، واستشعر معنى هذه العبادة لله تعالى؛ تحقق له ما يرجوه من الثواب العظيم.

وينبغي لمريد العمرة أن ينوي السفر إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة خالصًا لله عز وجل، فيكون سفره هذا سفر طاعة وقربة، فيؤجر على نيته، وينتقي من ماله أجوده وأطيبه ليصرفه في هذه الطاعة العظيمة، ويركب ما تيسر له من المراكب داعيًا بدعاء السفر، فيحيطه الله بعنايته ورعايته، تاركًا أهله وماله وأحبابه ووطنه، فيزداد ثوابه لتركه هذه الأمور لله، شاغلًا وقت سفره بالقراءة والذكر والتفكر والمحاسبة.

فإذا وصل إلى الميقات الذي يبدأ منه أعمال عمرته يتجرد من ملابسه المعتادة، ويغتسل ويتطيب ويزيل ما يجب إزالته من الشعر، ويلبس رداءين أبيضين نظيفين –هذا للرجل– أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب المباحة لها، غير أن لا تكون ثياب زينة، أو تشبه بالرجال، أو تظهر شيئًا من جسدها.

وفي هذا الموقف فرصة عظيمة للتأمل والمراجعة، فإذا تجرد المعتمر من ملابسه المعتادة واغتسل وارتدى الرداء الأبيض؛ استشعر المعتمر أنه قد خلع ذنوبه الماضية واغتسل منها، وظهر أمام ربه جل وعلا بمظهر طيب نظيف طاهر صفحته بيضاء نقية، فكأنه يقول: ها أنا يا رب قد جئتك طامعًا في مغفرة ذنوبي، راجعًا منها كيوم ولدتني أمي، والله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، فحريٌّ أن يجيب سؤاله ويحقق آماله، فإذا لبس المعتمر لباس العمرة استشعر أنه بدأ حياة جديدة خالية من الذنوب، فإذا ركب المعتمر دابته ولبى بالعمرة ينوي بقلبه ويقول بلسانه: (لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، بهذا يعلن المعتمر استجابته لله جل وعلا وتوحيده غير مشرك به، وأيقن أن الله تفضل عليه وأنعم عليه أن مكنه من أداء هذه الطاعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349).



بحث عن بحث