هديه  في غزوة بدر (2-2)

في هذه الغزوة العظيمة في هذا الشهر الطيب المبارك أعز الله جنده، ونصر عبده، وأعلى شأنه، ومكّن لدينه، وقويت شوكة رسوله عليه الصلاة والسلام. فالنصر ليس بالعدد والعدة، ولو قابلنا الفريقين في ذلك لكان الفرق بينهما بينًا، والبون بينهما شاسعًا، ولكن من ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه، وهذه هي سنة الله تعالى في خلقه متى ما تمسكوا بدينهم، وحكموا شريعة ربهم، وتعلقوا بخالقهم، فالله جل وعلا ينصرهم ويعزهم، ويذل أعداءهم ويخذلهم ويهزمهم.

وهناك درس آخر عظيم: وهو أن هذا الشهر الكريم ليس شهر كسل وخمول وبطالة، بل هو شهر الجد والعمل والنشاط والقوة والاجتهاد في سبيل الخيرات، ذلكم أن رسول الله ﷺ وأصحابه جدوا واجتهدوا في هذا الشهر المبارك، فنصرهم وأعزهم ومكَّنهم وأعلى شأنهم، فهابهم أعداؤهم.

ويوجد درس ثالث: وهو بيان أهمية الاستشارة وإبداء الرأي في مصالح الأمة الكبار، ذلكم أن رسول الله ﷺ استشار أصحابه في هذه الغزوة، فأشاروا عليه بما يرونه سببًا للنصر والتمكين، فأخذ ﷺ بمشورتهم، فكان ذلك عونًا من الله تعالى على النصر، ومنها يؤخذ أيضًا أهمية فعل الأسباب التي تكون عوامل بإذن الله للنتائج والثمار الطيبة، فلا يعتد الإنسان برأيه في أموره الجسام، ومن ثم يقع في أخطار عظيمة وبلاء كبير.

ومن الدروس المستفادة أيضًا: أهمية الدعاء وفضله، وأنه من أهم أسباب النصر والعز والتمكين، وهذا بلا شك يؤخذ من فعل الرسول ﷺ، الذي جلس تلك الليلة يدعو ربه ويستغيث به، حتى أشفق عليه الصديق أبو بكر رضي الله عنه لما سقط رداؤه، فطفق أبو بكر يهون عليه ويخفف عنه.

فحري بنا -نحن المسلمين- أن نستعين بالدعاء، ونلح به على ربنا ليقضي حوائجنا، ولنحذر أن نغتر بجاهنا وقوتنا وأموالنا وما في أيدينا من وسائل مادية، فالعباد ضعاف مهازيل في جنب الله عز وجل، والله تعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}(1).

ويقول رسوله الأمين ﷺ: «الدعاء هو العبادة«(2).

أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا الشهر المبارك شهر عز وتمكين للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 186]

(2) أخرجه أحمد (4/271)، والبخاري في الأدب المفرد (714)، وأبو داود (1479)، والترمذي (3247)، والنسائي في سننه الكبرى (11464)، وابن ماجه (3829)، والحاكم في المستدرك (1/491)، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3407).



بحث عن بحث