هدي الرسول في بيته (1-2)

لا ريب أن الرسول ﷺ قدوة في جميع الأحوال والظروف، وفي مختلف الأزمنة والأمكنة، والمسلم العامل الحصيف هو الذي يتوخى منهاجه عليه الصلاة والسلام فيسير عليه، ومن ذلكم أحواله ﷺ في بيته، بين أهله وذريته، كيف كان يعاملهم؟ وكيف أدى رسالة الله تعالى لهم؟ وكيف يعالج المشكلات الطارئة؟ أهو غضوب يزمجر؟ أم  متساهل مضيع؟ أو يهتم بجوانب دون أخرى؟

ومما لا ريب فيه أيضًا أن بيت المسلم نعمة عظيمة، لا يعرف أهميتها ولا يقدر قدرها إلا من حرمها، فالبيت سكن الإنسان، إليه يأوي ويستريح، وبه يتسدفيء من القر، ويستظل من الحر، وبه يستتر عن الأنظار، ويتحصن عن الأعداء، كما أن البيت هو ذلك المجتمع المصغر الذي تلتقي فيه عناصر الأسرة من الأب والأم والزوج والزوجة والأبناء والبنات، تتعانق فيه النفوس، وتجتمع على المودة والرحمة والحصانة والطهر وكريم العيش والستر، في كنفه تنشأ الطفولة، ويترعرع الأحداث، وترتبط النفوس بالنفوس، وتتعانق القلوب والأرواح، به تنمو الخصال الكريمة، وينشأ الرجال الذين يقودون الأمة، وتُربى النساء اللاتي يُؤتمن على أعرق الأصول، في البيت تنشأ ناشئة صالحة، يكون من ثمراتها صلاح الأبناء، وبر الأمهات والآباء، فالبيت مدرسة تنمو فيها الأجيال، ويتخرج فيها العلماء والأبطال.

لهذا البيت منهاج قويم وهدي كريم، رسمه النبي الأمين في فعله وقوله، وفي تعامله وسلوكه، وفي عيشه وتنشئته، وفي تربية أهله وصغاره، صلوات الله وسلامه عليه.

ويتسم هذا الهدي النبوي بالشمول والكمال، والرأفة والرحمة والحب والمودة والصلة والقربى، والتنشئة والتربية والحلم والعلم، والعفو والصفح والصبر والتحمل، والشعور بالمسؤولية والأمانة.

ولنضرب لذلك أمثلة في تعامله مع أهله وصغاره الذين في بيته عليه الصلاة والسلام:

المثال الأول: في تعامله ﷺ مع أهله، ينطلق هذا التعامل الكريم من منطلق القيام بأفضل الوسائل وأعلى الدرجات، ها هو عليه الصلاة والسلام يقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»(1)، وهذه الخيرية عامة في كل شيء يقتضيها الخير والرحمة والمصلحة، وميزان هذه الخيرية هو مراد الشارع وتعاليمه وتوجيهاته، وليس هو الناس ورغباتهم وأمزجتهم، ولا تعني هذه الخيرية مبدأ ترك القوامة والتخلي عن المسؤولية وإعطاء الأهل غاية ما يشتهون ولو كانت أمورًا محرمة أو مكروهة، فهذه ليست من الخيرية في شيء، فهذا رسول الله ﷺ القائل لتلك العبارة، ها هو نفسه عليه الصلاة والسلام يهجر زوجاته شهرًا كاملًا عندما تقدمن بطلب لم يرض عنه، وذلك أنهن اجتمعن عليه يطلبن زيادة في النفقة، حتى أشيع بأن الرسول ﷺ قد طلق زوجاته، فلما علم أبو بكر رضي الله عنه أتى عائشة ليستوثق الخبر ويريد تأديبها، وكذا فعل عمر ا مع حفصة، فأنزل الله سبحانه وتعالى تخيير الزوجات بين الدنيا وملذاتها أو الآخرة ونعيمها، بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}(2).

فعلم أن الخيرية تربية الزوجة على كل خلق مستقيم، وسلوك فاضل، وتفكير سليم.

ومن سماته عليه الصلاة والسلام في: بيته حرصه على تعليمهم وتربيتهم وتقويم سلوكهم، وقد بوب البخاري : في صحيحه تحت كتاب العلم: باب تعليم الرجل أهله وأمته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الترمذي (3895)، وابن ماجه (1977)، وقال الترمذي: حسن غريب صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (3314).

(2) [الأحزاب: 28 – 29]



بحث عن بحث