هدي النبي  في السفر في رمضان (2-2)

لكن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى جواز الصيام والفطر، واستدلوا بالأحاديث التي سبق ذكرها آنفًا، ومنها قوله ﷺ: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر»(1)، وقول أنس رضي الله عنه: كنا نسافر مع رسول الله ﷺ فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.. وغيرها مما يدل على التخيير في ذلك.

أما الحديث الذي فيه وصف الصائمين بالعصاة؛ فهي واقعة عين على أناس شق عليهم الصيام، وعلى من كان مثلهم، وكذا قوله ﷺ: «ليس من البر الصيام في السفر»، وبهذا يتبين أن رأي جمهور أهل العلم هو الموافق لمجموع النصوص.

ولكن الجمهور اختلفوا في أفضيلة الصيام أو الفطر بالنسبة للمسافر، فذهب الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله إلى أن الصوم أفضل لمن لم يلحقه مشقة به، وذهب الإمام أحمد : إلى أن الفطر أفضل مطلقًا، مستدلًا بحديث: «ليس من البر الصيام في السفر»(2)، وبحديث: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه»(3).

واستدل الجمهور بالجمع بين الأحاديث، فعلقوا الأمر على المشقة، واستأنسوا بما رواه أحمد وغيره أن النبي ﷺ قال: «من كانت له حمولة فيأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه»(4).

والحمولة: الأحمال التي يسافر بها صاحبها، ورأي الجمهور هو الذي يرجحه كثير من العلماء المعاصرين وفقهم الله تعالى لما يحبه ويرضاه.

هذا هو هدي رسول الله ﷺ في السفر: يصوم مرة ويفطر أخرى، وذلك بحسب حال السفر وحال أصحابه، فعلى المسلم أن يقتدي به، فإن وجد نشاطًا في نفسه وقوة على الصيام، ولم يلحقه مشقة ولا ضرر ولا كسل عن أداء الواجب؛ فلعل الموافق للسنة في حقه الصيام، ومن وجد غير ذلك، كأن تصيبه مشقة، أو يكسل عن بعض الواجبات، أو يصيبه ويصيب رفقته ضرر ونحو ذلك، فلعل الموافق للسنة في حقه الفطر، وهكذا بإذن الله تجتمع النصوص الواردة عن النبي ﷺ في صيامه وفطره في السفر.

أسأل الله عز وجل أن يرزقنا النية الخالصة وتطبيق السنة تطبيقًا عمليًا صحيحًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (1943)، ومسلم (1121).

(2)  أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115).

(3) أخرجه أحمد (2/108)، والطبراني في معجمه الكبير (11880، 11881)، وابن حبان كما في الموارد (545)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1885، 1886).

(4) أخرجه أحمد (3/476)، (5/7).



بحث عن بحث