هدي الرسول في قيام الليل (1-4)

إن قيام الليل من أفضل الأعمال وأعظم القربات، يرفع الله به الدرجات، ويكفر به الخطايا، ويغفر الذنوب، ويعفو عن السيئات، ولقد داوم عليه الرسول ﷺ منذ بعثه الله تعالى بالنبوة وأمره بالرسالة، وجاءت الآيات المتواليات بالحث عليه والأمر به وبيان فضله، وما أعد الله تعالى لأهله من الفضل العميم، والثواب الجزيل، والأجر الجميل، حرص عليه النبي ﷺ ورغب فيه، وبين عظم جزاء أهله، ويتأكد فضله في رمضان أكثر من غيره، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله ﷺ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه«(1).

وصلاة التراويح من قيام رمضان، وهي سنة مؤكدة، أكد ذلك النبي ﷺ، حيث روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ صلّى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله ﷺ، فلما أصبح قال: «رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم»(2) تقول عائشة رضي الله عنها: وذلك في رمضان.

ولكن الصحابة رضوان الله عليهم صلوها بعده جماعة، يقول الإمام أحمد رحمه الله: كان علي وجابر وعبد الله رضوان الله عليهم يصلون جماعة. وعن عبد الرحمن بن القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه والناس يصلون جماعة، وعن عبد الرحمن بن القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، ويصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ولو صلاها منفردًا فلا بأس بذلك، قال بعض أهل العلم: إن كان قارئًا للقرآن، ولا تتأثر الجماعة بتخلفه، ولا يخاف الكسل عنها، فالأفضل لمثل هذا أن يصليها منفردًا، ولكن في مثل هذا الوقت ينبغي أن يواظب عليها كل مسلم جماعة لما في ذلك من إحياء هذه الشعيرة، والغالب على الإنسان إذا كان منفردًا أن يتطرق إليه الكسل والخمول والفتور.

أما عدد ركعاتها: فتكلم أهل العلم في ذلك كثيرًا، بناء على ما ورد عن رسول الله ﷺ في صلاته بالليل، وما ورد عن السلف في ذلك:

فمن قائل: إنها إحدى وأربعون، ومن قائل: إنها إحدى عشرة ركعة. ولعل هذا القول أرجحها؛ لما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: كيف كانت صلاة النبي ﷺ في رمضان؟ فقالت: «ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة«(3)، ولكن إن صلى المسلم أكثر من ذلك ففضل الله واسع، وجوده عظيم، وعطاؤه لا ينفد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759).

(2) أخرجه البخاري (1129)، ومسلم (761).

(3) أخرجه البخاري (1163)، والترمذي (438).



بحث عن بحث