الرسول  والصوم (2-2)

وهنا نلحظ أمرًا مهمًّا في آية تشريع الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(1)

أنها ختمت بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وفي ذلك إشارة إلى أن الهدف الأعظم والغاية الكبرى من الصيام التوصل هي إلى التقوى، هذه التقوى هي تلكم الملكة التي إذا وجدت عند مسلم صبغت حياته صبغة خاصة تدفعه نحو الخير والطاعة، وتردعه عن الشر والمعصية، ابتغاء ثواب الله وخشية عقابه، ما أن يسمع بميدان الخير إلا ويسابق إليه، وما أن يسمع عن الشر والشبهة إلا ويبتعد عنهما.

قال عبد الله بن مسعود: «التقوى: أن يطاع الله فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر«.

وقال طلق بن حبيب: «التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله«.

وأخذ هذا المعنى الشاعر ابن المعتمر، فقال:

خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها فهو التقى

واصنع كماش فوق أرض *** الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى

والتقوى بهذا المعنى آنف الذكر هي وصية الله للأولين والآخرين، ووصية رسوله ﷺ لأصحابه وأمته.

قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}(2)وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(3).

وروى الترمذي بسند حسن أن النبي ﷺ أوصى معاذ بن جبل فقال: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن«(4).

ولا شك أن الصيام ورمضان عاملان قويان لتمثل هذه الغاية الحميدة والهدف السامي النبيل، والعاقل الحصيف هو الذي يجعل من هذا الشهر عاملًا قويًّا للوصول إلى هذه الغاية، كما كان عليه الصلاة والسلام، فاقتدوا به وتأسوا به، واجعلوا سيرته نصب أعينكم تكونوا من المفلحين الفائزين.

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من عباده المتقين، وأن يحشرنا في زمرتهم، إنه سميع مجيب، والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 183]

(2) [النساء: 131]

(3) [آل عمران: 102]

(4) أخرجه أحمد (5/153)، والترمذي (1987)، والحاكم (1/54)، والبيهقي في شعب الإيمان (8025، 8026)، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (97).



بحث عن بحث