الرسول  ورؤية الهلال (2-2)

وقال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين»(1)، وقال: «لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه، فإن أغمي عليكم فاقدروا له»(2). وقال: «لا تقدموا رمضان» وفي لفظ: «لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين، إلا رجلًا كان يصوم صيامًا فليصمه»(3)، والدليل على أن يوم الإغمام داخل في هذا النهي حديث ابن عباس يرفعه: «لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين» ذكره ابن حبان في صحيحه(4). فهذا صريح في أن صوم يوم الإغمام من غير رؤية ولا إكمال ثلاثين، صوم قبل رمضان.

وقال: «لا تقدموا الشهر إلا أن تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة»(5)، وقال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالًا»(6) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وفي النسائي من حديث يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يومًا، ثم صوموا، ولا تصوموا قبله يومًا، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة عدة شعبان»(7).

وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس: تمارى الناس في رؤية هلال رمضان، فقال بعضهم: اليوم، وقال بعضهم: غدًا، فجاء أعرابي إلى النبي ﷺ فذكر أنه رآه، فقال النبي ﷺ: «أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. فأمر النبي ﷺ بلالًا، فنادى في الناس: صوموا. ثم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يومًا ثم صوموا، ولا تصوموا قبله يومًا»(8).

وكل هذه الأحاديث صحيحة فبعضها في الصحيحين وبعضها في صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما، وإن كان قد أُعِلَّ بعضها بما لا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها وتفسير بعضها ببعض، واعتبار بعضها ببعض، وكلها يصدق بعضها بعضًا، والمراد منها متفق عليه»(9). ا.هـ كلامه رحمه الله.

ثم طفق ابن القيم رحمه الله يجيب عما روي عن بعض الصحابة أنهم خالفوا هذا الهدي فصاموا يوم الثلاثين بما ملخصه: أنهم صاموا استحبابًا واحتياطًا، لا أنهم صاموه على أنه شك من رمضان.

ومن هذا يتخلص لنا أن القول الصحيح من هدي الرسول ﷺ أن يصام رمضان برؤية هلاله، ولو بشهادة واحد، بشرط أن يكون عدلًا، أما البلدان التي لا يتراءى الناس فيها الهلال فيصومون على أقرب رؤية إليهم من البلدان المجاورة، وهذا بناء على قول من قال أن لكل بلد رؤيتهم كما سبق. والله أعلم.

ومما يتلخص: ما ذكر أن يوم الثلاثين لا يصام على أنه من رمضان إذا لم ير الهلال، فمن صامه فقد عصى محمدًا ﷺ، إلا إذا كان معتادًا أن يصوم صومًا مستحبًا، كمن اعتاد صيام الإثنين والخميس، ووافق ذلك اليومُ هذا اليومَ، فله ذلك.

أسأل الله تعالى أن يبصرنا بديننا، ويرزقنا حسن الاتباع لسنة سيدنا محمد ﷺ، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (19/1081).

(2) أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (3/1080).

(3) أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (21/1081).

(4) أخرجه الترمذي (688)، والنسائي (4/136)، (2128)، وأبو داود (2327)، والدارقطني (2/158)، وأبو يعلى في مسنده (4/243)، (2355)، وأحمد (1/226، 258)، وصححه ابن حبان كما في موارد الظمآن (873).

(5) تقدم تخريجه.

(6) أخرجه النسائي (4/136) (2127)، و(4/135 – 154) (2187)، والبيهقي (4/207)، وفي السنن الصغرى (2/88)، رقم(1303)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (197)، وصحيح الجامع (3809).

(7) أخرجه بنحوه أبو داود، رقم(2327)، والنسائي (4/153، 154)، (2178)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/208)، والسنن الصغرى (1303)، والبغوي في شرح السنة (1716)، والدارمي (1690).

(8) تقدم تخريجه.

(9) ينظر: زاد المعاد (2/38 – 42)، وصوم النبي ﷺ، ص(54 – 61).



بحث عن بحث