وقفات في علاقة المخلوق بالخالق، والمخلوق بالمخلوق (2-2)

والوقفة الثانية:

في علاقة المسلم بأخيه المسلم وهو يودع هذا الشهر وقد اكتسب منه فضائل كثيرة ومحاسن، ومن أهمها: تصفية القلب مما يكدر عليه صفوه، وتطهير النفس من شوائبها، وغسل الفؤاد من أدرانه، إذْ يعلمنا رمضان تطهير القلب والجوارح، كما قال رسول الله ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه وشهوته»(1)، وفي الحديث الآخر: «فإن سابه أحد فليقل: إني صائم»(2) تذكير بما للصوم من مكانة تمنع اللسان من النطق بالفحش والسب والشتائم، ودرس عملي لأَن تكون الرابطة بين المسلمين رابطة أخوة ومحبة وصفاء، فعلينا أن نتذكر بهذه المناسبة وصايا المصطفى ﷺ والتي يجسدها رمضان، ومن ذلك:

قوله صلوات الله وسلامه عليه: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا بيع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله»(3) رواه مسلم، وهذا تفسير وتأكيد لما أخبر الله سبحانه وتعالى به: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(4)، ولقوله ﷺ: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار»(5)، وقال ﷺ: «تعرض الأعمال في كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا»(6)، والنصوص في هذا كثيرة جدًّا لا يتسع الوقت لسردها، ولكن المقصود التنبيه والتذكير.

أيها الإخوة المسلمون:

لا شك أنه يشوب علاقات بعض الأسر والأقارب والجيران والأَصحاب والأَصدقاء، بعض التكدير؛ لأَسباب قد تكون غير سليمة أو مبنية على الظن، أو على نقل كلام غير صحيح ونحو هذا، ولهذا نوجه دعوة صادقة – ونحن على مشارف نهاية شهر رمضان – أن نزيل تلك الأكدار، وأن نجدد علاقات بعضنا ببعض، وأن يكون هذا الشهر المبارك خير معين لنا على ذلك، وليضاعف الله لنا الأجر والثواب.

دعوة لكل قريب بأن يصفح عن زلات قريبه، ويبادر إلى صلته وزيارته والتقرب إليه، ودعوة صادقة لكل جار بأن يحسن العلاقة مع جاره ويتحسس أحواله، ودعوة لكل صديق وزميل بأن تصفو علاقاتهم وتسودها المحبة في الله والمودة فيه، والأخوة الصادقة، ودعوة لكل مسؤول أن يرأف بمسؤوليه، ويجعل الأخوة هي القاعدة في التعامل، والعدل هو شعاره في العمل، ودعوة لكل مسلم بأن يقوم بحق أخيه المسلم؛ فالمؤمن للمؤمن كالبنيات يشد بعضه بعضًا، والأخلاء يوم القيامة أعداء إلا المتقين، فعلى كل مسلم أن يقوم بحقوق إخوانه المسلمين، يبادرهم بالسلام بكل سرور وبشاشة، ويزور مريضهم، ويحترم كبيرهم، ويعطف على صغيرهم، ويتصدق على فقيرهم، ويحسن لمسيئهم، ويصلح بين متخاصميهم بالمعروف، وينصح مخطئهم، ويقوِّم معوجهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.

لابد – أخي المسلم – أن نخرج من رمضان بهذه الحقوق عاملين مطبقين، فالله الله أن نحقق ما يريده منا خالقنا، أسأل الله أن يعيننا على أدائها، وأن يحقق لنا ما يرضيه آمالنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا ويكفر عنا سيئاتنا ويرفع درجاتنا، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري (4/116)، برقم(1903) في الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به، وأبوداود (1/720)، برقم(2362) في الصوم، باب الغيبة للصائم.

(2) رواه البخاري (4/118)، برقم(1904) في الصيام، باب هل يقول: إني صائم، ومسلم (2/806) في الصيام، باب فضل الصيام.

(3) روى البخاري شطره الأول (9/198)، برقم(5143) في النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه، ومسلم بكامله (4/1986) (2564) في البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره.

(4) قوله ﷺ: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، رواه البخاري (10/492)، برقم(6076) في الأدب، باب الهجرة، ومسلم (4/1983، 2559) في البر والصلة، باب تحريم التحاسد والتباغض.

(5) [الحجرات: 10]

(6) رواه مسلم (4/1987)، برقم(2565) في البر والصلة، باب النهي عن الشحناء والتهاجر، وأبوداود (2/697) (4916) في الأدب، باب فيمن يهجر أخاه المسلم. 



بحث عن بحث