المستضعفون والعمال والخدم (2-2)

الوقفة الثانية:

من هذا المنطلق الإيماني العظيم – أعني حب الخير للآخرين والعمل لإيصاله – نجد إخوانًا لنا من المسلمين في أرجاء المعمورة كلها يعيشون أوضاعًا يندى لها جبن المسلم، بين الجوع والتشرد، والقتل والبطش، والفقر والمسكنة، ناهيك عن الجهل بالدين وعدم التمسك بتعاليمه، مع رغبتهم في معرفته وتعلمه، مع الجهود الجبارة من الهيئات الكافرة بأنواعها تنصيرية وتغريبية؛ لمسخ عقولهم، وإبعادهم عن دينهم، واستعمال شتى الوسائل الماكرة كالجهود الإغاثية والصحية وغيرها، ولهذا فهم بأمس الحاجة إلى مَدِّ يد العون والمساعدة لهم، وتقديم ما يحفظون به حياتهم من الهلاك، وأجسامهم من العري، وبطونهم من الجوع.

وبحاجة ماسة إلى من يهديهم سواء السبيل بتعريفهم بدينهم الصحيح، وتصحيح عقائدهم من الشرك والفساد والضلال، هذه المطالب الكبيرة حجمًا ومعنى وثمرة لهؤلاء البؤساء، باستطاعة أي مسلم قادر ماديًّا أن يسهم فيها وينفع إخوانه، وينشر دين الله تعالى، بأن يقدم الفرد ما يستطيع مما تجود به نفسه من نفقات مادية وعينية، وتتولى الهيئات الموثوقة نيابة عنه إيصالها إلى مستحقيها، وتوظيفها بما ينفعهم من شراء الكتب، وبناية المساجد، والمدارس، وشراء ما يحتاجون من طعم ومشرب، وثواب ذلك لك ولمن شاركك، وفضل الله واسع وعطاؤه لا ينفد.

الوقفة الثالثة:

وفئة أخرى تعيش بيننا في وسط مجتمعنا، جلبناها برغبتنا ولحاجتنا إليها، تشاركنا في أعمالنا، وفي مؤسساتنا، بل في مزارعنا وبيوتنا، تلكم هي فئة العمالة الوافدة من أقطار مختلفة، جاؤوا ليعيشوا فترة من الزمن معنا، عمالًا في المزارع والمصانع، وسائقين وخدم، وموظفين في مؤسسات، جنسياتهم مختلفة، ولغاتهم متعددة.

هؤلاء وقد وفدوا إلينا برغبتنا، ولا شك أننا مسؤولون عنهم، فكثير منهم مسلمون ولكن بالهوية، وآخرون تعلّقوا بطقوس وعادات خارجة عن هذا الدين وتعاليمه، فلا يكن حظك – أيها المستقدم لهم – أن يشاركوك في دنياك دون أن تهدي لهم ما ينفعهم في دينهم وينفعك عند خالقك «لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم»(1)، وفي رواية أخرى: «خير لك من الدنيا وما فيها»، والأمر في ذلك سهل ميسور فمكاتب توعية الجاليات متيسرة والحمد لله، ولديها الوسائل المعينة من أشرطة وكتب ودعاة ما يساعد على هذه المهمة الجليلة، والمسؤولية في ذلك – أيها المسلمون الكرام – مسؤولية مشتركة ليست على المستقدم لهم مباشرة فحسب، فليكن لكل مسلم شرف الدعوة وإيصال الخير لهم.

فعلى كل من كان لديه عمَّال أو خدم أن يقوم بحقوقهم الشرعية، وبما نص عليه في عقودهم، فالأمر دين، فمن أقدره الله تعالى على جلب هؤلاء فليعلم أن لهم حقوقًا عليه يجب أن يقوم بها، فقد قال رسول الله ﷺ: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه«(2).

أيها المسلمون الكرام:

إن رمضان المبارك بما فيه من أعمال خيرية يتنافس فها الناس، يذكِّرنا بمثل هذه الحقوق والواجبات لتكون منهاجًا لنا في حياتنا كلها، فلنتق الله تعالى، ولنقم بحقوق الأقربين والأبعدين، ولا يحقرن امرؤ نفسه، وليقدم ما في وسعه من علم ومال، ووقت وجاه، فإنه أحوج إليه يوم يلقى ربه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أسأل الله أن يعيننا على حمل الأَمانة، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، والسير على منهاج نبينا محمد ﷺ، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري مع الفتح (6/111)، برقم(2942)، كتاب الجهاد، باب دعاء النبي ﷺ الناس إلى الإسلام والنبوة، في آخر الحديث، ومسلم (4/1872)، برقم(2406) في فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب.

(2) رواه ابن ماجه (2/817)، برقم(2442) في الرهون، باب أجر الأجراء.



بحث عن بحث