المستضعفون والعمال والخدم (1-2)

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان على المنهج الأحمد، أما بعد:

وقفنا فيما سبق وقفات سريعة حول العلاقات الاجتماعية في ديننا الحنيف، الذي حرص على الترابط والتآلف، والتآخي والتصافي، والمودة والمحبة، وأوجد الوسائل المتعددة لتوثيق هذه الوشائج، ابتداء بأقرب الأقربين للمسلم وهم والداه الكريمان، ثم تتسع دائرة العلاقات الودية المنية على الحقوق الشرعية بين المسلمين بعامة.

ولأن هذا الدين دين المودة والمحبة «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأَخيه ما يحب لنفسه»(1)، فإنه يوجهنا إلى فئام من المسلمين لهم حقوق خاصة، غفل عنها البعض وتشاغل عنها الكثير، وجهلها آخرون، نقف مع هذه الفئام وقفات متفرقة علّ الله تعالى أن يجعل في ذلك ذكرى ينتفع بها المؤمن الحق:

الوقفة الأولى:

لقد امتن الله علينا سبحانه وتعالى بهذا الدين، دين النور والهدى، دين الخير السعادة، دين الراحة والطمأنينة، وذلك لأن المؤمن بهذا الدين لا يعيش في هذه الدنيا لوحده، أنانيًّا، فرديًّا، بل هو أمة إذا قام بما حمله الله سبحانه وتعالى من أمانة عظيمة عجزت عن حملها السموات والأَرض والجبال، وناءت بحملها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان يقول تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(2).

هذه الأمانة هي أمانة القيام لله تعالى بمنهجه، والقوامة على البشرية كلها؛ تأطرها على الحق، وتدعوها إلى الصراط المستقيم، وتخرجها بإذن الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

ومن مقتضى هذه الأمانة: عدم انعزال الفرد المسلم بمعزل عن مجتمعه وأمته، وركونه إلى ما يردد من عبارات يسولها الشيطان للكثير من الناس لعدم الاكتراث بمجموع الأمة، فقائل يقول: مالي ومال الناس، لست وكيل آدم على ذريته، وآخر يتعلل بأن إرشاد الآخرين ودعوتهم كلفت الأمة بمجموعها به.. وهكذا، ولم يعلموا أن هذا المنطق منطق التخاذل الذي جرّ الأمة إلى التأخر والتقهقر، وهو منطق مخالف لهذا الدين وتعاليمه؛ لقول الله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(3)، ولقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(4)، وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(5).

فهذه الآيات الكريمة وغيرها من آيات وأحاديث نبوية تجعل المسلم لا يقف جامدًا أمام الخير فلا ينمّيه، ولا أمام الشر فيتركه، فالمسلم عنصر إصلاح وتقويم حيثما كان، فالرسول ﷺ يقول: «بلِّغوا عني ولو آية»(6)، كل ذلك مشاركة في النمو الإيجابي للأُمة كلها نحو الخير والصلاح، فهل يعي كل مسلم هذه الحقيقة فيبادر إلى بذل ما يستطيعه من خير، ولو كان قليلًا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري (1/57)، برقم(13) في الإيمان، باب من الإيمان أن يُحبّ لأَخيه ما يحبّ لنفسه، ومسلم (1/67)، برقم(45) في الإيمان.

(2) [الأحزاب: 72]

(3) [آل عمران: 110]

(4) [المائدة: 2]

(5) [النحل: 125]

(6) رواه البخاري (6/496) (3461) في أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، والترمذي (2669) في العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل. 



بحث عن بحث