العشر الأواخر (2-2)

الوقفة الثانية:

ومن منهجه صلوات الله وسلامه عليه في هذه العشر المباركة: الاعتكاف، والاعتكاف هو: لزوم المسجد تفرغًا لطاعة الله تعالى، لا يخرج منه إلا لما لابد له منه، كالذهاب للوضوء ونحوه، ومن أحكامه: أنه لا يجوز حال الاعتكاف مباشرة النساء بجماع أو ما دونه، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}(1).

ومن آدابه: التفرغ التام لعبادة الله تعالى وطاعته، وتحري ليلة القدر فيه التي هي خير من ألف شهر، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده«.

ومن مستلزمات هذا الاعتكاف وغايته: أن يتفرغ المعتكف للانشغال بمناجاة خالقه سبحانه وتعالى ودعائه، ومحاسبة نفسه، وقراءة كتاب الله سبحانه وتعالى، والتأمل فيه، والصلاة، والتفكر في أمور دينه، والاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، ويقضي أغلب وقته في هذه الأُمور؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في عباده المتقين، وأن يقبل منه.

ومن بدهي القول: أن لا يشتغل المعتكف بأمور الدنيا، ويجعل معتكفه مأوى للزائرين لتبادل الأحاديث الدنيوية، ولتناول المطعومات والمشروبات، وبخاصة في المسجد الحرام، أو يكون اعتكافه فيه إيذاء لإخوانه المسلمين وإزعاجهم، كالنوم في طرقاتهم أو في الصفوف المتقدمة، أو نشر ثيابهم وملابسهم أمام المصلين، وغير ذلك مما يؤثر على هدف الاعتكاف وغايته، فينشغل المعتكف بدنياه عن دينه، ويبتعد القلب عن الله سبحانه، فلنجعل – أيها المؤمنون – عباداتنا مقربة لمولانا جل وعلا.

أيها المسلمون الكرام:

هذه العشر المباركة أيام قليلة وساعات محدودة، ما أسرع انقضائها، فالمؤمن العاقل من يغتنمها في الطاعة والعبادة قبل فوات الأوان، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الأَخيار، وأن يغفر لنا الذنوب والأوزار، ويعتق رقابنا من النار، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 187]



بحث عن بحث