اللسان (1-3)

الحمد لله الذي فضَّلنا على كثير من خلقه، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل فضله وكريم رزقه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد صفيه من خلقه وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن رمضان شهر الخير، شهر النفحات والبركات، شهر العلم والتربية، شهر زيادة الحسنات وتكفير السيئات، فرغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يستفد منه، ورغم أنه من أدرك رمضان فلم يرفع من درجاته، ويكفر سيئاته.

وهذا يتطلب من المؤمن الحق استغلال جميع الإِمكانات والقدرات التي منحها الله سبحانه لعباده، ومن هذه النعم تلك الآلة الخطيرة التي فضل بها الإِنسان على غيره من المخلوقات، تلك الأداة المهمة، والآلة الفاعلة، والجارحة العظيمة، قائد جوارح الإنسان، جعلها الله فارقًا بين الإِنسان والحيوان، يعبر به الإِنسان عما يريد، ويستخدمه في طلب أغراضه، يتكلم به وينادي به، به يقرأ كلام ربه، وبه يذكر مولاه، وبه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الخير، وينصح إخوانه المسلمين، ويصلح بينهم، وبه يعبر عن آرائه وأفكاره.

ونقف في الوقفات الآتية مع تلك الآلة الخطيرة متأملين ومتدبرين:

الوقفة الأولى:

اعتنى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بهذا اللسان عناية كبرى، تمثلت في أهمية استغلاله في الخير وسبله، والتحذير من استخدامه في الشر ووسائله.

يقول سبحانه وتعالى مبينًا أهمية الكلام الذي ينطق به الإِنسان: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(1)، ويقول سبحانه: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا}(2)، ويقول محذرًا من استخدام هذه الآلة فيما لا يعلم الإنسان: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}(3)، ويقول جل من قائل موضحًا بعض سبل الخير الذي ينبغي أن يشغل به اللسان: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}(4).

ولوزن الكلمة الكبير في دين الله، وأهميتها العظمى، ودلالتها الواسعة، يروي أبو هريرة رضي الله عنه فيما جاء في الصحيحين – عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»(5) أخرجه الترمذي بلفظ: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى فيها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»(6).

تأمل أخي المسلم قول الرسول ﷺ: «ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها» تعرف عظم هذه النعمة، ووجوب المحافظة عليها ومراعاتها، فلا تنطق حينئذ إلا حقًّا وإلا فاسكت، كما جاء في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»(7).

وروى الإِمام أحمد وأصحاب السنن أن معاذ بن جبل رضي الله عنه في حديثه الطويل جاء إلى النبي ﷺ فقال: دلّني على عمل يدخلني  الجنة، قال ﷺ فيما قال له: «...أمسك عليك هذا – وأشار إلى لسانه-» فأعاد عليه فقال ﷺ: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»(8) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ق: 18]

(2) [آل عمران: 181]

(3) [النور: 15]

(4) [النساء: 114]

(5) رواه البخاري (6477) في الرقاق، باب حفظ اللسان، ومسلم (2988) في الزهد، باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار.

(6) رواه الترمذي (2314) في الزهد، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها، وابن ماجه (3970) في الفتن، باب كف اللسان في الفتنة.

(7) رواه البخاري (6135) في الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته، ومسلم (1/69) برقم(48) في الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف.

(8) رواه أحمد (5/231، 236، 237)، ورواه الترمذي (5/13)، برقم(2616) في الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، وابن ماجه (2/1315)، برقم(3973) في الفتن، باب كف اللسان في الفتنة.



بحث عن بحث