الزكاة والجود والإنفاق (5-5)

الوقفة الثامنة:

أن يحاول المعطي والمزكي استصغار عطيته، فإن المستعظم للفعل معجب به، والإِعجاب إذا دخل على النفس أفسدها، وإذا مازج القلب أفسد الإِخلاص، لذا ينبغي أن يتذكر المزكي أن المال مال الله وهو وديعة عنده، فالفضل في ذلك كله لله عز وجل، وليشكر الله تعالى بقوله وعمله على ما أنعم عليه بهذا المال، وعلى ما يسّر له أداء حقه.

الوقفة التاسعة:

أن لا يفسد زكاته بالمنّ والأذى، ذلك أن الإِنسان إذا رأى نفسه محسنًا إلى الفقير منعمًا عليه بالإِعطاء، ربما حصل منه ذلك، ولكنه لو حقق النظر لرأى أن الفقير محسن بقول حق الله الذي هو طهرة له، وإذا استحضر مع ذلك أن إخراجه للزكاة شكر لنعمة الله الذي أعطاه؛ فلا يبقى بينه وبين الفقير معاملة، ولا ينبغي أن يحتقر الفقير لفقره؛ لأن التفاضل ليس بالمال، ولا النقص بعدمه.

الوقفة الأخيرة:

أن يحاول المسلم أن ينفق مما لديه مهما كان قليلًا ولو لم تجب عليه الزكاة، وسواء أنفق للفقراء والمساكين، أو في مشاريع الخير المتعددة، كتحفيظ القرآن الكريم، والإِسهام في جمعيات البر الخيرية، وبناية المساجد، والتبرع للمجاهدين، ورعاية الأَيتام وغيرها، فكل هذا يُخْلِفُهُ الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(1)، ويقول سبحانه: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}(2)، ويقول الرسول ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة«(3)

أخي المسلم:

إن بعض من أنعم الله عليهم بنعمة المال، تجده ينفق هذا المال في مجالات اللهو والترف والكماليات بلا حساب؛ فإذا نودي للخير والمساهمة فيه؛ بخل وأمسك، إلا إذا كان يرجو من وراء ذلك مصلحة دنيوية، فهذا وأمثاله قد عرضوا أنفسهم لخطر عظيم في الدنيا والآخرة، أوَ لم يعلم بأن الله تعالى سائله غدًا عن هذا المال: من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإِخلاص في الأَقوال والأَعمال، وأن يصلح ما فسد من الأحوال، إنه سميع مجيب وهو المستعان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [سبأ: 39]

(2) [المزمل: 20]

(3) رواه البخاري (1413) في الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، ومسلم (1016) في الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة.



بحث عن بحث