الزكاة والجود والإنفاق (4-5)

الوقفة السادسة:

أن يتحرى مخرج الزكاة بأن يعطيها مستحقيها، وهم أهلها الثمانية الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(1)، فاحذر – أخي المسلم – أن تخرج زكاة مالك لغير هؤلاء الأصناف الثمانية، وحاول جهدك واستطاعتك أن توصلها إلى من ينتفع بها أكثر من غيرهم، وبخاصة أهل التقوى الذين لا يمدون أيديهم ولا يسألون الناس إلحافًا، وتزداد الخصوصية إن كانوا طلبة علم؛ فإن في إعطائهم إعانة لهم على العلم ونشر الدين، ولا يتعلل المخرج بأنه لا يجدهم، بل بالبحث والسؤال والتحري يجد بغيته، فلا تفرط في ذلك فإن هذا الأَمردين.

وإن من المؤسف أن نرى بعض الناس اعتاد أن يعطي زكاة ماله أناسًا لا يستحقونها، كأن يكونوا أغنياء مثلًا، ويعلل ذلك بأنها عادة لا يريد أن يقطعها، والبعض يعطيها أشخاصًا يتظاهرون بالفقر والمسكنة مع أن لديهم قدرة على التكسب والعمل لكن وجدوا الراحة بأخذ الزكاة، والبعض الآخر يعطيها بعض أقاربه الذين تجب نفقتهم عليه، فهؤلاء وأمثالهم لا يستحقون الزكاة، ومن علم عنهم قبل إعطائهم الزكاة فلا تسقط عنه.

ومن الجدير ذكره هنا أن الزكاة ينبغي أن تُصرف على الأَقارب الذين لا تجب نفقتهم على المزكي، ففي ذلك بِرٌّ وصدقة، وينبغي كذلك أن تصرف على المجاهدين في سبيل الله، وهذه أيضًا صدقة وجهاد، وله أن يوزع زكاة ماله على أصناف متعددين من الأَصناف الثمانية؛ لتعم فائدتها ونفعها.

الوقفة السابعة:

أن ينفق من ماله أجوده وأحبه إليه، وما كان حلالًا، فالله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}(2)، ويقول سبحانه وتعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}(3)، وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأَنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت في قبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ يشرب من ماء فيه طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}جاء أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل عليك: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أمرك الله، فقال رسول الله ﷺ: «بخ بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأَقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فجعلها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه»(4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [التوبة: 60]

(2) [البقرة: 267]

(3) [آل عمران: 92]

(4) رواه البخاري مع الفتح (3/325)، برقم(1461) في الزكاة، باب الزكاة على الأَقارب، ومسلم (2/693)، برقم(998) في الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأَقربين.



بحث عن بحث