الزكاة والجود والإنفاق (2-5)

الوقفة الثالثة:

كما أن لدافع الزكاة أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا؛ فإن مانع الزكاة ارتكب جرمًا كبيرًا وإثمًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، فقد قاتل أبو بكر رضي الله عنهمن منع الزكاة التي يؤديها إلى رسول الله ﷺ، أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما توفي رسول الله ﷺ، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمررضي الله عنه: فيم تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: «لا إله إلا الله» فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللهعز وجل»؟ فقال: والله لأُقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا – وفي رواية: عناقًا – كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ؛ لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنهفعرفت أنه الحق»(1).

والوعيد في الآخرة أشد، كما روى الشيخان أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»(2)، وهذا النص الصريح مصداق قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}(3).

الوقفة الرابعة:

أخرجوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم؛ تكن طهرة لكم، وتزكية لقلوبكم، وأمانًا لأَموالكم وطهرة وتنمية لها، كما قال سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}(4).

أدّوا زكاة أموالكم تكن جُنة لكم عن النار، كما قال الرسول ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»(5) «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»(6).

أدّوا زكاة مالكم؛ لتسلموا من عواقبه الوخيمة، كما قال الرسول ﷺ: «من أدَّى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره»(7).

أدّوا زكاة مالكم قبل أن تذهبوا عنه أو يذهب عنكم؛ فيكون عليكم غرمه ولغيركم غنمه، كما صحَّ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «يقول العبد: مالي، مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس»(8)، وصح عن رسول الله ﷺ أيضًا أنه قال: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: «فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر»(9).

أدّوا زكاة أموالكم؛ تغفر لكم ذنوبكم، وتضاعف حسناتكم، يقول تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(10).

أيها المسلمون:

اغتنموا هذا الموسم العظيم فهو موسم تجارة رابحة، يتنافس فيه المتنافسون، فأكثروا من الزكاة والصدقة والإِنفاق؛ لتكوا أموالكم، وتطهر نفوسكم، وتسدوا حاجات إخوانكم، وتشاركوا في غزو أعدائكم، وتتعاونوا على البر والتقوى، فاليوم عاملون وغدًا محاسبون ومجزيون.

أسأل الله الكريم أن يغفر لنا في هذا الشهر الكريم، وأن يعفو عن زلاتنا وأخطائنا، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري (1399) في الزكاة، باب وجوب الزكاة، و(1456) في الزكاة، باب أخذ العناق في الصدقة، ومسلم (1/51)، برقم(920) في الإِيمان، وأبوداود في الزكاة، برقم1556).

(2) رواه البخاري (3/268)، برقم(1402) مختصرًا في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، ومسلم (2/680) برقم(987) في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.

(3) [التوبة: 34 – 35]

(4)[التوبة: 103]

(5) رواه البخاري (1413) في الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، ومسلم (1016) في الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة.

(6) رواه الترمذي (5/13)، برقم(2616) في الإيمان، باب ما جاء في حُرمة الصلاة، وابن ماجه (2/1408)، برقم(4210) في الزهد، باب الحسد.

(7) رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (3/63)، وكنز العمال (6/297)، برقم(15778).

(8) رواه مسلم (4/2273)، برقم(29590) في الزهد، باب الزهد والرقائق، والترمذي (4/494) (23420) في الزهد باب (31).

(9) رواه البخاري (11/260)، برقم(6442) في الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له.

(10) [البقرة: 271]



بحث عن بحث