الزكاة والجود والإنفاق (1-5)

الحمد لله الذي فرض الزكاة تزكية للنفوس وتنمية للأموال، ورتب على الإنفاق في سبيله الثواب الجزيل والأَجر العظيم، وبخاصة في هذا الشهر الكريم، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدِّين، أما بعد:

أيها المسلمون الكرام:

شهر رمضان شهر المسارعة إلى الخيرات والجود والكرم، والبر والإِحسان، وشهر المواساة وتلبية الحاجات، شهر التعاون والتكافل، ومع بعض هذه المعاني نقف الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى:

إمام الأَئمة صلوات الله وسلامه عليه هو أول السابقين إلى الجود والبر والإحسان، روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فرسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة»(1)، وذكر الإمام ابن القيم رحمه اللهفي هديه في الصدقة: «كان رسول الله ﷺ أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئًا أعطاه الله تعالى، ولا يستقله، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج؛ آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان ينوع في أصناف عطائه، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعًا، وكانت صدقته بما يملكه وبماله وبقوله، فيخرج ما عنده، ويأمر بالصدقة ويحض عليها ويدعو إليها بفعله وقوله، فإذا رآه البخيل والشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان هديه ﷺ يدعو إلى الإِحسان والصدقة والمعروف»(2).

ثم يقولرحمه الله: «إذا فهمت ما تقدَّم من أخلاقه ﷺ، فينبغي للأُمة التأسي به ﷺ في السخاء، والتمسك بالاقتداء به، والإِكثار من ذلك في شهر رمضان؛ لحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل الكثيرين منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم، ولشرف الزمان، ومضاعفة أجر العامل فيه، وإدامة الصائمين والقائمين والمتعبدين على طاعتهم؛ فيكتب له مثل أجورهم»(3) انتهى كلامه رحمه الله، ولا تعقيب عليه؛ فهو للمسلمين صلوات الله وسلامه عليه قدوة وأسوة.

الوقفة الثانية:

لا شكَّ أن من أعظم الحقوق المالية على الإنسان: الزكاة المفروضة، أحد أركان الإِسلام، ومبانيه العظام، وقرينة الصلاة في المنزلة والأَحكام، وتردد ذكرها في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة؛ لعظم شأنها، وعلو مكانتها، وبيان أهميتها، يقول تعالى: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(4)، ويقول سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(5)، ولذا رتَّب الله سبحانه وتعالى الفضل العميم والثواب الجزيل على إخراجها، وجعلها خلفًا عاجلًا في الدنيا، وآجلًا في الآخرة، يقول سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(6)، وجعل الحسنات فيها تضاعف أضعافًا كثيرة، يقول جلّ من قائل: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(7)، ويقول سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري مع الفتح (9/43)، برقم(4997) في فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي ﷺ، ومسلم (4/1803)، برقم(2308) في الفضائل، باب كان النبي ﷺ أجود الناس.

(2) زاد المعاد.

(3) زاد المعاد.

(4) [المزمل: 20]

(5) [البقرة: 43]

(6) [سبأ: 39]

(7) [البقرة: 261]

(8) [آل عمران: 133 – 134]



بحث عن بحث