العمرة (3-4)

 

الوقفة الثالثة:

والعمرة في رمضان لها شأن خاص ومكانة جليلة، ثبت في الصحيح أن امرأة من الأَنصار جاءت إلى النبي لم تتمكن من الحج معه، قال لها النبي : «إذا كان رمضان فاعتمري فيه فإن عمرة في رمضان تعدل حجة»(3)، وفي رواية لأَحمد: «العمرة في رمضان تعدل حجة معي»(4)، أي مع رسول الله ، والمراد – والله أعلم – أن هذه العمرة تعدل الحج في الثواب، وفيما لها من تعظيم لشعائر الله، وفي تأثيرها على الإنسان، فإذا كان الحج المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنة، وإذا رجع ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإن الذي يؤدِّي العمرة في رمضان خالصة مقبولة يحصل له من الفضل مثل ذلك، وفضل الله واسع وعطاؤه لا ينفد.

ولقد وعى المرفقون من عباد الله المؤمنين هذا المكسب الرابح؛ فكثر المعتمرون في هذا الشهر المبارك، جامعين بين شرف الزمان والمكان، لا حرمهم الله الأَجر والثواب.

 

الوقفة الرابعة:

إن هذه العبادة اليسيرة عملًا، العظيمة فضلًا، حريّ أن يتأملها كُلُّ قائم بها، مستشعرًا قيمتها، متفقهًا في أعمالها، فهي عبادة قائمة على الامتثال والتجرد لله سبحانه وتعالى، يقول عمر بن الخطاب أثناء تقبيله للحجر الأسود: «والله إني لأَعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك»(5)، فالداعي لهذا العمل هو الاقتداء بالرسول .

ولذا فإن الذي يقوم بالعمرة غير عارف لحِكَمِها، أو بينة تخالطها المباهاة والمراءاة ونحوها، أو قام بأداء الحركات خاليةً من الخشوع، وردَّد الأَذكار بلا تدبُّر؛ فهذا لم يستفد من عمرته، ولم يظهر عليه أَثرها، وهذا – للأسف – هو حال كثير من الناس، فهل من وقفة مع النفس؛ لتدارك التقصير، والندم على ما فات، وأداء العمرة بالقلب والجوارح جميعًا؟

________

 (3) رواه البخاري (3/603)، برقم(1782) في العمرة، باب العمرة في رمضان، ومسلم (2/917)، برقم(1256) في الحج، باب فضل العمرة في رمضان.

(4) رواه أحمد (1/308)، وابن ماجه (2/996)، برقم(2993) في المناسك، باب العمرة في رمضان.

(5) رواه البخاري (3/471)، برقم(1605) في الحج، باب الرّمل في الحج والعمرة، ومسلم (2/925)، برقم(1270) في الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأَسود في الطواف.



بحث عن بحث