قيام الليل والتراويح (1-3)

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن سار على نهجه واتبع سنته، أما بعد:

فإن رمضان مدرسة إيمانية يتزود منها المؤمنون من الإيمان والتقوى، كيف لا وهو عبادة مستمرة طول ساعات الليل والنهار؟ فمن قراءة وذكر، إلى صلاة وتهجد، ومن بر وإحسان، إلى صدقة وزكاة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغيرها، ويحيط بهذه الأَعمال الخيرية الفاضلة: انشغال الخاطر والتفكير بما يقرب إلى المولى، في تنافس محمود، وتسابق إلى جنات الخلود.

وإن مما يشجع على هذا التسابق في هذا الشهر المبارك تلك الشعيرة العظيمة التي يتسم بها رمضان بطابع جماعي خاص، وتتوق إليها نفس المؤمن الطامعة برضا الله، الراجية لما عنده مما أعده لعباده المتنافسين في الصالحات، الخائفة مما توعَّد به الكافرين والعصاة.

وإن لمحة تطوف بها على المساجد بعد صلاة العشاء في هذا الشهر العظيم إلا وتجد المؤمنين زرافات ووحدانًا، تهيأت نفوسهم لأَداء صلاة التراويح، وأحضروا قلوبهم لمناجاة رب الأَرباب، وأفرغوا خواطرهم لتلك العبادة، فلعل قرباتهم ودعاءهم يستجاب.

ومع قيام الليل والتراويح نقف بعض الوقفات:

 

الوقفة الأولى:

صلاة التراويح في رمضان أنموذج لصلاة الليل التي نوّه المولى جل وعلا بشأنها في كتابه العظيم، مبينًا فضلها وعظم شأنها، وأن كل مؤمن متصف بها محل للثناء والمدح.

قال تعالى في بيان الصفة المؤمنين الصادقين: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 16 – 17]، فمن صفات المؤمنين إذًا: عدم إطالتهم للنوم في الليل فلا يذهب الليل سدًى، وإنما يكون هناك جزء للقيام والدعاء طمعًا فيما أعده الله سبحانه وتعالى لأَهل القيام، وخوفًا من عقاب الله سبحانه وتعالى، ولذا فإنه لا يتخيل أحد جزاءهم عند الله سبحانه وتعالى، أليس هو القائل سبحانه: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ لماذا؟ ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

ولذلك جاء في الحديث الصحيح فيما رواه مسلم وغيره أن رسول الله قال: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»(1).

وإن المتمعن في صلاة الليل لَيجدُ لها طعمًا خاصًّا، حيث هدأة الليل وسكونه، وخلو القلب من مشاغل النهار، ورجوع الفرد إلى نفسه، كل هذه عوامل تساعد على الخشوع والرغبة والرهبة والقرب من المولى سبحانه، وكلها عوامل مؤدية إلى صدق هذا الخشوع، وصدق اللجوء إلى الله سبحانه، فيقرأ القائم مستحضرًا ما يقرأ ومتفاعلًا معها، وإذا دعا دعا وليس بينه وبين الله حجاب، وكلما أرخى الليل ستاره وزاد ظلامه، واستغرق الناس في نومهم؛ كانت الصلاة ألذّ والمناجاة أكمل، ولذا منح الله القائمين آخر الليل مزية خاصة، فينزل الرب سبحانه وتعالى نزولًا يليق بجلاله وعظمته إلى السماء الدنيا، موجهًا نداءه إلى الطامعين في مرضاته، والراجين لما عنده، والخائفين من عقابه، يوجه نداءه لكل داعٍ ومستغفر ومستغيث: هل من داعٍ فأستجيب له؟ وهل من مستغفر فأغفر له؟ وهل من تائب فأتوب عليه؟

 

فيا أيها الصائمون:

لنجعل رمضان مذكرًا لنا بهذه الفضائل؛ لنؤوب إلى الله تعالى، ونعالج أنفسنا؛ لعل المولى جل وعلا أن يمنحنا القبول والرضوان، فتكون صلاة التراويح معينًا لنا في كل وقت على قيام الليل، فينطبق علينا قول المولى جل وعلا عن عباده المؤمنين: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 17 – 18].



بحث عن بحث