الدعاء (2-3)

الوقفة الثالثة:

الدعاء دأب الأنبياء والصالحين، فاستجاب الله لهم، ذكر الله سبحانه عن نوح: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ*فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ *فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ*وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ* وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 9- 15].

وقال عن زكريا: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا*وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا*يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: 4 – 6].

وهذا إبراهيم يتضرع إلى الله حتى رزقه الذرية على كبره فحمد الله وشكره، يقول تعالى عنه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ*رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 39 – 41] فلك – أخي في الله – قدوة في الصفوة من الخلق.

الوقفة الرابعة:

كان داعٍ يطمع في استجابة دعائه، وقبول تضرعه، وجلب الخير له، وفدع الشر عنه، وقد أخبر المولى جل وعلا بأن من كرمه وفضله وجوده أن ذلك حاصل لا محالة: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].

ولكن لا تحصل الإِجابة إلا بحصول أسبابها، ومن أهمها: إخلاص هذا الدعاء لله وعدم إشراك أحد معه غيره من شجر أو حجر أو ضريح أو ولي أو سيد، أو كائنٍ من كان، يقول تعالى: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: 65] فمن دعا غير الله، نبيًّا من الأنبياء أو ملكًا من الملائكة، أو وليًّا من الأَولياء، أو صاحب ضريح مقبور؛ فقد وقع في الشرك الأَكبر، والعياذ بالله، الذي بيَّن الله مصير أهله: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72].

ومن عوامل إجابة الدُّعاء: أن يكون مطعم العبد ومشربه حلالًا، فلا يتعامل إلا بالمال الطيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيِّبًا، فقد جاء في الصحيح أن الرسول : «ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له»(1)، فإلى من يتعاملون بالغش والخديعة وإلى من ينمون أموالهم بالربا، وإلى من يأكلون أموال الناس بالباطل: أن يعلموا أنهم حجبوا دعاءهم عن القبول، ألا فليتأملوا حالهم قبل فوات الأوان.

ومن المهم في الدعاء: ترك الاعتداء في الدعاء، وتعجُّل الإجابة، جاء في الصحيح عن الرسول أنه قال: «ما من مسلم دعا الله تعالى بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته، وأما إن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها»(2).

________

(1) رواه مسلم في الزكاة، باب قبول الصدقة (2/703)، برقم(1015).

(2) رواه أحمد (3/18)، والترمذي (5/529)، برقم(93573) في الدعوات، باب في انتظار الفرج، والحاكم (1/493) وقال: صحيح الإسناد إلا أن الشيخين لم يخرجاه. 



بحث عن بحث