التنافس في الخير (1-3)

الحمد لله الذي أمرنا بفعل الطاعات وترك السيئات، وحث على اغتنام الأوقات والمواسم الفاضلات بالاستباق إلى الخيرات، والمنافسة في الصالحات، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وزوجاته الطاهرات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تبعث البريات، أما بعد:

ما أن يدخل شهر رمضان المبارك ويهل هلاله على المسلمين إلا ويحس المسلم وكأنه في دورة إيمانية يلين بها قلبه، ويطمئن بها فؤاده، ويتقرب فيها من ربه سبحانه وتعالى، وينعم فيها بالتقلب في الصالحات وكأنه ينتقل من روضة إلى روضة، وكيف لا وهو في شهر التنافس في الخير، والتسابق في ميدان العمل الصالح؟ مع هذا التنافس نعيش سويًّا تبيانًا له وتوضيحًا وتشجيعًا في الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى:

خلق الله تعالى الإِنسان ومنحه إمكانات عظيمة، يقوم عليها معاشه وحياته، وفضَّله بها على المخلوقات، منحه سبحانه العقل الذي يفكر به، ويميز به بين الخير والشر، والنافع والضار، ومنحه الحواس التي يحس بها بما حوله، ومنحه الشعور والإِحساس الذي تتحرك به عواطفه؛ كل ذلك لتكتمل شخصيته، وتتوازن مقومات حياته.

وهذا كله بلا شك من نعم الله سبحانه على الإنسان، ولذا امتد الناس في معاشهم في هذه الحياة، وصاروا يتنافسون باستغلال هذه الإمكانات، وصارت الحياة ميدانًا لهذا التسابق بمختلف أنواع المنافسات، فكلما قلبت طرفك في مشارق الأرض ومغاربها تجد أحوال الناس كذلك.

فهناك فئات من الناس همهم المال، ركزوا جهودهم في جمعه وتصريفه، ويختلف هؤلاء في النظر إليه وفي أساليب جمعه والصرف منه، وفئات أخرى همهم ما يجدُّ ويخترع في دنيا الناس، فما استحدث من آلة إلا والتفكير أسبق إلى ما بعدها، أيها أكثر تسهيلًا وأقل جمعًا، وفئات أخرى وجهوا همهم وإمكاناتهم إلى إرضاء رغباتهم وإشباع شهواتهم، كل بحسب ما يرغب ويهوى، مستغلًا ما استطاع من نعم الله سبحانه وتعالى، ومن الناس من استغل إمكاناته الجسمية والبدنية فوجهها إلى ميادين مناسبة لهذه الإِمكانات حتى على مستوى الأُمم بأكملها.

هذه الميادين وغيرها التي يتبارى فيها الناس: ما مكانها وقيمتها في شرع الله سبحانه وتعالى؟ أيعارضها؟ أم يوافقها؟ أم يوجهها ويرشدها نحو نفع البلاد والعباد؟ هذا ما نتناوله في بقية الوقفات:

الوقفة الثانية:

لا شكَّ أن ديننا دين الخير والصلاح، ودين السعادة والرخاء، دين يقر لك ما فيه صلاح الفرد والمجتمع، أقرّ مبدأ المنافسة، وشجع على استغلال إمكانات الإِنسان، ووجه إلى ما يستحق بذل الجهد فيه، وخطَّ خطوطًا عريضة وقواعد كلية وأهدافًا تقصد لتحقيقها، وجعل في مقدمة ما يسعى إليه الإنسان وينافس فيه: ما يسعد الإِنسان في آخرته، ويُقَوِّم حياته في هذه الدنيا بما لا يتعارض مع السعادة في الأخرى، يقول سبحانه: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: 77] فالهدف من السعي هو الدار الآخرة.



بحث عن بحث