الوقفة الأخيرة : زيارة المسجد النبوي وأحكامه

 

في هذه الوقفة نعرض لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه المتعلقة بذلك والأخطاء الواقعة من بعض الحجاج والزائرين.

إن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج أو بعده سنة وليست من أحكام الحج فالحج يتم بأركانه وشروطه وواجباته ولو لم يزر الحاج المدينة المنورة فالزيارة ليس لها ارتباط بالحج لكن بعض الناس يفعلون ذلك لاستغلال فرصة مجيئهم إلى بيت الله الحرام فيجعلون سفرتهم واحدة وقد وردت أحاديث كثيرة تبين فضله ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)رواه مسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) (1), وغيرها من النصوص الدالة على فضل الصلاة فيه والجلوس فيه والدعاء, ومن آداب الزيارة أنه إذا وصل الزائر إلى المسجد قدم رجله اليمنى عند دخوله ويدعو بما ورد وهذا الدعاء ليس خاصاً في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عام في كل مسجد وليس لدخول مسجده صلوات الله وسلامه عليه ذكر مخصوص.

ومن الأدعية الواردة في ذلك قوله: (بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله, أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم أفتح لي أبوب رحمتك) (2), ثم يصلي ركعتين تحية المسجد إن لم يكن وقت أداء فريضة وإن صلاها في الروضة الشريفة فهو أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) (3), ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وقبري صاحبيه الكريمين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وصفة السلام أن يقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب ووقار وخفض صوت ثم يسلم عليه, عليه الصلاة والسلام قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته) فإذا سلم المسلم رد عليه صلوات الله وسلامه عليه السلام, فقد روى أبو داوود بإسناد حسّنه بعض أهل العلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام) (4).

وإن قال المسلم غير ذلك بأن قال: السلام عليك يا نبي الله, السلام عليك يا خير خلق الله السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين, أشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده كل ذلك لا بأس به كما قال أهل العلم, ثم يسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه, ثم على عمر بن الخطاب رضي الله عنها ويدعوا لهما ويترضى عنهما, وهذه الزيارة مشروعة في حق الرجال خاصة, أم النساء فلا تشرع في حقهن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج(5).

ومن آداب الزيارة لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي الزائر في مسجده صلى الله عليه وسلم ويحافظ عليها ويكثر من النوافل اغتناماً لفضيلة المكان وإن تيسر أن يكون ذلك في الروضة الشريفة فهو أفضل لما سبق.

وليعلم أن قصد المدينة المنورة لزيارة المسجد لفضله ومكانته أما قصد غير ذلك فلا يشرع لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: (لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي هذا) (6)

وهناك بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الزائرين ومنها:

1- الطواف حول قبره صلوات الله وسلامه عليه أو التمسح بجدران الحجرة وشبابيكها أو رفع الصوت فهذا خطأ كبير فالطواف لا يجوز إلا حول الكعبة المشرفة, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (بل يحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقاً ولا يتمسح بالحجرة ولا يقبلها اتفاقاً وكره رفع الصوت عند الحجرة) لقوله تعالى: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} (7), وحرمته ميتاً كحرمته حياً. أ.هـ.

2- ومن الأخطاء أيضاً الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بغيره أو طلب الشفاعة منه فلا يجوز لأحد أن يطلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم بعد موته في الدنيا لأنها ملك الله سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: {قل لله الشفاعة جميعاً}(8), ولكن يطلب من الله جل وعلا أن يشفع فيه نبيه صلى الله عليه وسلم أو ملائكته المقريين وعباده المؤمنين.

3- ومنها ما يفعله بعض الزائرين من الدعاء مستقبلين القبر غير مستقبلي القبلة وقد يكونوا مستدبريها فهذا مخالف لما عليه سلف الأمة الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان بل هو من البدع المحدثة والمشروع في الدعاء استقبال القبلة.

4- ومن الأخطاء ما يفعله بعض الزائرين من قصد أماكن معينة يزعمون فضلها والدعاء بأدعية مبتدعة لم يأذن بها الله وليس لها أصل في الشرع والواجب اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه.

5- ومنها دعاء الأموات عند زيارة مقابر البقيع ومقابر شهداء أحد ورمي النقود عندها تقرباً إليها أو بها أو تبركاً بأهلها فهذا خطأ كبير قد يكون من الشرك الأكبر مع الله سبحانه وتعالى والواجب دعاء الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له وإخلاص العبادة له.

 


(1) أخرجه مسلم (2: 1013 رقم 1395) الحج باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.

(2) أخرجه أبو داود ( 1: 180 رقم 465 و 466 )في الصلاة.

(3) أخرجه البخاري مع الفتح( 3: 70 رقم 1195 )في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب فضل ما بين القبر والمنبر.

(4)أخرجه أبو داود ( 1: 622 رقم 2041) المناسك باب زيارة القبور والإمام أحمد في المسند( 2: 537).

(5) أخرجه أبو داود ( 2/238 رقم 3236 ) الجنائز باب في زيارة القبور, وأخرجه الترمذي ( 1: 201 رقم 320 ) الصلاة باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجد.

(6) أخرجه البخاري مع الفتح ( 3: 70 رقم 1197 ) كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة, وأخرجه مسلم ( 2: 975 رقم 827 )في الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره.

(7) الحجرات:2.

(8) الزمر:44.

 

 



بحث عن بحث