الوقفة الثانية عشرة: ما يفعله المحرم عند وصوله

 

نقف مع الحاج في هذا الدرس العملي بعد أن عرفنا في دروس سابقة شيئاً من آداب السفر وأحكام الحج والعمرة قبل الشروع فيهما, فإذا وصل المعتمر أو الحاج إلى الميقات فإنه يحرم منه سواء كان بالسيارة أو حاذاه وهو في السفينة أو الطائرة ومن لم يمر من عند ميقات معين يحرم إذا حاذى الميقات لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت, ثم قال (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة) (1).

والمواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة هي: ذو الحليفة والتي تسمى (أبيار علي) وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها من غيرهم.

والجحفة وهي قرية قديمة خربت وصار الناس يحرمون من مدينة رابغ لقربها منها وهي ميقات أهل الشام إذا لم يأتوا عن طريق المدينة والثالث يلملم ويسمى اليوم السعدية وهي ميقات أهل اليمن القادمين من الساحل, والرابع قرن المنازل ويسمى الآن السيل الكبير, وهو ميقات أهل نجد, وإذا مر بالطائف فأحرم من وادي محرم فقد أحرم من الميقات لأنه من الوادي كما قرر ذلك أهل العلم, والميقات الخامس ذات عرق وتسمى الضريبة وهو ميقات أهل العراق ومن مر بهم من غيرهم.

ومن فضل الله تعالى أن هذه المواقيت أصبحت معلومة ومهيئة بجميع ما يحتاجه الحاج أو المعتمر من العلامات البينة والخدمات التي يحتاجها مريد الإحرام وغيرها.

والإحرام هو: نية الحج والعمرة أو هما معاً وهو ركن من أركان الحج –كما سبق- فبدون النية لا يصح العمل.

ويسن لمريد الحج أو العمرة قبل الشروع في الإحرام أن يتجرد من ملابسه المعتادة ويقص أظافره وشاربه ويحلق عانته وينتف إبطيه وهذه من سنن الفطرة ثم يتوضأ أو يغتسل, حتى ولو كانت المحرمة حائضاً أو نفساء, قال عائشة رضي الله عنهما: (نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل) (2) أخرجه مسلم, ثم بعد ذلك يلبس من يريد الإحرام إزاراً يستر به النصف الأسفل ورداء يستر به أعلاه, ومن المستحب أن يكوناً أبيضين نظيفين, هذا بالنسبة للرجل, أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب سواء كان أسوداً أو أخضراً وغيرهما على أن لا يكون ثوب زينة أو ثوباً ضيقاً أو فيه تشبه بالرجال وأن يكون ساتراً لجميع بدنها.

*****

كما يستحب أن يطيّب جسده قبل الإحرام ولو بقي أثره بعد الإحرام ولا يسن ذلك للمرأة إذا كانت ستمر من عند رجال أجانب عنها.

ولنعلم أن التطيب للبدن وليس للثوب لكن إن طيب ثوبه قبل الإحرام فلا شيء عليه, وبعد هذا التهيؤ والاستعداد فإذا كان الوقت وقت صلاة فريضة صلى تلك الفريضة ثم يحرم بعدها, وإن لم يكن بعد فريضة وأراد أن يتطوع فلا بأس ويحرم بعدها, ثم بعد ذلك يركب سيارته فإذا استوى راكباً أحرم بالنسك الذي يريد من التمتع أو الإفراد أو القران, فإن أراد التمتع قال: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج, وإن أراد القران, قال: لبيك عمرة وحجاً, وإن أراد الإفراد, قال: لبيك حجاً, والنية بالقلب ويجوز التلفظ بها ويعلي صوته بالتلبية ومن كان فيه مرض وخشي على نفسه أو خشي من عدم الوصول إلى مكة والتمكن من العمرة فليحرم ويشترط فيقول اللهم إني نويت الحج أو العمرة والحج (حسب النسك الذي يريد) فيسره لي وتقبله مني, وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني, ثم يشتغل بالتلبية والذكر والدعاء والاستغفار والتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح وغيرها من الطاعات, وبعد دخوله في النسك تحرم عليه محظورات الإحرام.

هذه هي صفة الإحرام الصحيح إن شاء الله لكن هناك أخطاء يقع فيها بعض الناس حول الإحرام فمنها:

1- أنهم يعنون بالإحرام هو اللباس وهو ليس كذلك فالإحرام هو نية الدخول في النسك, واللباس تهيؤ له.

2- الاضطباع فيظن بعض الناس أن الاضطباع في لباس الإحرام وهو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفه فوق كتفه الأيسر, سنة دائماً والصواب أن الاضطباع لا يشرع إلا في طواف القدوم فقط أو طواف العمرة.

3- ومنها أيضاً كثرة المشابك في الإزار والرداء وهذا خطأ والصواب أن لا يلجأ إلى المشابك في الإزار إلا عند الحاجة وأما الرداء فلا حاجة إلى استخدام المشابك فيه.

4- ومنها ما يظنه بعض الناس أنه لا يجوز تغيير ملابس الإحرام التي أحرم بها, والصواب أنه يجوز ذلك وله أن يخلعها وينظفها إذا اتسخت أو تنجست.

5- ومنها ما تفعله بعض النساء وهو أنهن يقرأن أو يسمعن أن إحرام المرأة في وجهها فبعد الإحرام تكشف وجهها ولو كان بحضرة رجال أجانب عنها وهذا خطأ فالواجب إذا كانت عند رجال أو ستمر بهم أو تختلط بهم أن تغطي وجهها ولو كانت محرمة.

6- ومن الأخطاء أيضاً اعتقاد الإحرام عند بعض النساء أنه لا يجوز إلا بلون معين من الثياب كالأخضر أو الأسود ونحو ذلك وهذا غير صحيح فللمرأة أن تحرم بما شاءت من اللباس على أن لا يكون ثوب زينة أو تشبه بالرجال.

7- ومن الأخطاء بل ومن المنكرات اعتقاد البعض أن يحلق لحيته عند الإحرام وهذا منكر بل الواجب إعفاء اللحية سواء كان محرماً أو غير محرم, والشعور التي تزال عند الإحرام هي الشعور الواجبة أخذها من شعر العانة والإبط كما سبق بيانه.

8- ومن الأخطاء أيضاً لمن يسافر بالطائرة أن لا يحرم إلا من جدة وهذا غير صحيح فالواجب أن يحرم عند محاذاة الميقات كما سبق, ومن وقع منه هذا الخطأ فعليه أن يصححه وذلك بأن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه ليحرم منه إن تيسر ذلك, وإلا فعليه ذبح شاة بسبب تركه لواجب الإحرام من الميقات, يذبحها بمكة ويطعمها كلها الفقراء.

9- ومن أخطاء بعض النساء لبس البرقع والنقاب والصواب أنه يحرم على المحرمة أن تلبس البرقع والنقاب وما أشبههما وكذلك يحرم لبس القفازين وهما شراب اليدين لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين) (3).

هذه بعض الأخطاء التي يجب التنبه لها حال الإحرام وبعده, فعلينا جميعاً أن نتفقه في أمور ديننا وأن نؤدي عبادتنا على الوجه الشرعي لكي يتقبلها الله منا.

 


 


(1) أخرجه البخاري مع الفتح( 3: 384 رقم 1524 ) كتاب الحج, باب فضل مهل أهل مكة، ومسلم( 2: 838 رقم 1181 ) الحج باب مواقيت الحج والعمرة.

(2) أخرجه مسلم( 2: 86919 رقم 1209) الحج باب إحرام النفساء.

 

(3)أخرجه البخاري مع الفتح (4: 52 رقم 1838 )في جزاء الصيد, باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة, والنسائي( 5: 133 رقم 2673 )في المناسك, باب النهي عن تتنقب المرأة الحرام.

 

 



بحث عن بحث