الوقفة السابعة: آداب السفر للحج ولغيره

 

السفر لحج بيت الله الحرام هو سفر وعبادة يُرجى فيه أن تطهر النفس من الذنوب والآثام, والعبادات في الإسلام لابد لها من آداب إما واجبة أو مستحبة وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله تلكم الآداب فمنها:

1- أن يصلي ركعتين يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة: {قل يا أيها الكافرون} )1), وفي الثانية: {قل هو الله أحد} )2), ثم يدعوا دعاء الاستخارة فقد أخرج البخاري –رحمه الله- في صحيحه وأبو داود والنسائي وأحمد في المسند من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا هم أحدكم بالأمر, فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه وإن كنت تعلمه شراً لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به), قال: ويسمي حاجته)3), قال ابن القيم رحمه الله: فعوض رسول صلى الله عليه وسلم أمته بهذا الدعاء عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام, وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سعادة ابن آدم استخارة الله, ورضاه بما قضاه الله) )4).

قال ابن القيم –رحمه الله-: (فالاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده وهي من لوزام الرضى به فلا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك وإن رضي بالمقدور وبعدها فذلك علامة سعادته..)أ.هـ)5).

2- ومن الآداب المشروعة لمن أراد السفر إذا ركب دابته أو سيارته أو الطائرة أو غيرها فإنه يستحب له أن يسمي الله سبحانه وتعالى ويحمده ويكبر ثلاثاً ويقول: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون})6).

(اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوي عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل), فقد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما)7).

3- ومنها أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة من الكرم والسماحة والانبساط إلى رفقته وإعانتهم بالمال والبدن وإدخال السرور عليهم وأن يكون حليماً صابراً فيما يواجه من جهل الجاهلين وتعدي المخطئين عليه قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن})8).

4- ومنها أن يستغل وقته في طاعة الله تعالى من الذكر والاستغفار والدعاء والتضرع إلى الله تعالى فإن الدعاء في السفر مظنة الإجابة خصوصاً سفر الطاعة الخالي من الذنوب فقد أخرج أبو داود الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده) )9).

ولعل السر في إجابة دعاء المسافر كما قال ابن رجب: لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق)10).

5- ومما يشرع للمسافر أن يحرص على الرفقة الصالحة من المحبين للخير فإن أهل الخير إن نسى ذكروه وإن تذكر أعانوه, وليحرص على من آتاه الله تعالى علماً وخلقاً فيفيد من علمه ويكتسب من حسن خلقه فتكون صحبته مدرسة علم له والإنسان مع الجليس الصالح في ربح مضمون بإذن الله تعالى, فتجده دائماً يزيد همتك في الطاعة, ويبصرك بصوابك ويدعوك لمكارم الأخلاق بقوله وفعله, ويحذر المسافر كل الحذر من جلساء السوء فإنهم السم الناقع والبلاء الواقع وهم المثبطون عن الطاعات المشجعون على المنكرات.

6- ومن الآداب المشروعة للمسافر أن يحفظ لسانه عن الحرام من الغيبة والنميمة ونحوهما ويغض بصره عن الحرام ويصون سمعه عن الحرام من سماع الغناء ونحوه من الباطل وكذا يحفظ سائر جوارحه فإن هذه الجوارح شاهدة لك أو عليك قال تعالى: {اليوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم}.

7- أن يكبر إذا صعد مكاناً عالياً ويسبح إذا هبط مكاناً منخفضاً, وإذا نزل منزلاً قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإن قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله الذي قالها فيه )11).

8- ومن الآداب الواجبة في السفر أن لا تسافر المرأة إلى الحج ولا لغيره إلا ومعها ذو محرم سواء كان السفر طويلاً أم قصيراً وسواء كان معها نساء أم لا وسواء كانت شابة أم عجوزاً لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) )12) أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس, قال ابن رجب رحمه الله: (ولعل الحكمة في منع المرأة من السفر بلا محرم قصور المرأة في تدبير أمورها, والدفاع عن نفسها وهي مطمع الرجال فربما تخدع أو تقهر...) )13), (والمحرم يحميها ويصون عرضها ويدافع عنها ولذا يشترط أن يكون بالغاً عاقلاً فلا يكفي الصغير الذي لم يبلغ ولا من لا عقل له) )14).

فليحرص الحاج على التمسك بهذه الآداب والعمل بها فإنها معينة على قبول الحج وإجابة الدعاء وحصول المبتغى.

 


 


)1) الكافرون:1.

)2) الإخلاص:1.

)3) أخرجه البخاري(2: 70 رقم 1166).

)4) أخرجه الترمذي(4: 455 رقم 2151)، وأحمد في المسند( 1: 168 رقم 1444)، والحاكم(1: 518 رقم 1903) وقال: صحيح الإسناد.

)5) زاد المعاد( 2: 445).

)6) الزخرف: 13-14.

)7) أخرجه مسلم:( 2: 978).

)8) فصلت: 34.

)9) أخرجه أبو داود رقم (1536) الصلاة باب الدعاء بظهر الغيب, والترمذي رقم ( 1905 )في البر والصلة, باب ما جاء في دعوة الوالدين, وابن ماجة رقم ( 3862 )في الدعاء باب دعوة الوالد, ودعوة المظلوم.

)10) جامع العلوم والحكم (ص: 98).

)11) أخرجه مسلم( 2:2080 رقم 2708 )في الذكر والدعاء باب في النفوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.

)12) أخرجه البخاري مع الفتح (4: 72 رقم 1862 )في جزاء الصيد باب حج النساء.

)13) جامع العلوم والحكم ( ص: 98).

)14) المنهج لمن أراد الحج والعمرة (ص: 9).

 

 



بحث عن بحث