على عتبة رمضان

خطبة للشيخ الدكتور صالح بن طالب

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. اتَّقوا الله (وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33]، واعلم أنّه مهما طال بك الزّمان فإنَّ المردَّ إلى الله والمصيرَ إمَّا إلى جنّةٍ أو نار.

أيّها المسلمون، في أوّلِ يومٍ من أيّام شهرِ رمَضان المبارَك نهنِّئ أنفسَنا والمسلمين ببلوغِ هذا الشّهرِ العظيم، جعَلَه الله مبَاركًا على أمّةِ الإسلام وعمومِ المسلمين في مشارِقِ الأرضِ ومغَاربها، أهلَّه الله علينا بالأمنِ والإيمان والسلامَةِ والإسلام والعِزّ والنّصر والتمكين للمسلمين.

أيّها المؤمنون، تستقبِل الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر وسرورٍ ظاهرٍ وبهجةٍ بك يا رَمَضان، إنّ يومَ إقبالك لهوَ يومٌ تفتّحت له قلوبُنا وصدورُنا، فاستقبَلناك بملءِ النّفس غبطةً واستبشارًا وأمَلاً، استبشرنا بعودةِ فضائِك الطاهر الذي تسبَح به أرواحُنا بعد جفافِها وركودِها، واستبشَرنا بساعةِ صلحٍ مع الطاعاتِ بعدَ طول إعراضِنا وإباقنا، أعاننا الله على بِرِّك ورفدِك، فكم تاقت لك الأرواحُ وهفَت لشذوِ أذانِك الآذانُ وهمَت سحائبُك الندِيّة هتّانةً بالرّحمة والغفران. في رحابِكَ تورِق الأيادي والنّفوس فتفيضُ بالبِرِّ والإحسان.

رمضانُ إطلالةُ بُشرى فمنذ هلَّ هِلاله والسماءُ مشرقة بالسّناء، بل عمَّ النور والندَى كلَّ الأكوان. هذه الأيّامُ نسأل الله تعالى أن يبارِك في قدومها وورودها، وأن يجعلَ لنا وللمسلمين الحظَّ الأوفَرَ مِن يُمنِها وسعودها. فرائِدُ قلائدِ الأيّام وغُرَر جَبَهات الأعوام، كيف لا وهو مِلءُ أسماعنا وأبصارِنا وحديثُ منابِرِنا وزينَةُ منائِرِنا وبضاعَةُ أسواقِنا وحياةُ مساجدنا. اللهمَّ كما بلَّغتَنا رمضانَ فنسألك التّمامَ والقَبول.

عبادَ الله، مَن مِنَ المسلمين لا يعرِف فضلَ هذا الشهرِ وقدرَه، فهو سيِّد الشهور وخيرُها، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185]، من صامه وقامه غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، وقد ثبت في الصحيحَين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مَن صام رمَضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وأنّ من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدم من ذنبه، وأنّ من قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه(1) .

هذا هو رمضانُ، أعظم القرُبات فيه الصومُ الذي افترضه الله تعالى تحقيقًا للتّقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]. فهو شهرُ تزكيةِ النفوس وتربيتِها، والتّقوى حساسيّةٌ في الضمير وصَفاء في الشعورِ وشفافيّة في النفس ومراقبةٌ لله تعالى، فالصّوم ينمِّي الشعورَ بالمراقبة ويزكِّي النفس بالطاعة.

أمَّا ثواب الصائمين فذاك أمرٌ مردُّه إلى الكريم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عزّ وجلّ: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يسخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إني امرُؤ صائم. والذي نفس محمّد بيده، لخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه)) رواه البخاري ومسلم(2) ، وفي رواية عندهما: ((يدع طعامَه وشرابه وشهوتَه من أجلي))(3) ، وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر))(4) .

فيا من أوجَعته الذنوبُ وأزرَى بهِ العِصيان، بادِر برفعِ يدٍ في ظلامِ الليل ولا تقنَط من رحمةِ الله الكريم الذي يقول بين آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، ورغِم أنفُ من أدرَكَه رمضانُ فلم يغفَر له؛ وذلك لما فيه مِنَ النفحاتِ والرحمات التي لا يحرَمُها إلاَّ من حرَم نفسَه، ففي الصحيحَين أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضانُ فتِّحَت أبواب الجنة وغلِّقَت أبواب النار وصفِّدَت الشياطين))(5) .

شهرُ رمضان شهرُ القيام والتراويحِ والذّكر والتسابيح، فاعمُروا لياليَه بالصلاةِ والدّعاء وقراءةِ القرآن، ورُبَّ دعوةٍ صادقةٍ بجَوف ليلٍ تسري حتى تجاوِزَ السماءَ، فيكتب الله بها لَك سعادةَ الدّارين.

ورمضانُ شهر القرآنِ حيث كان جبريل عليه السلام يلقى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيه في كلِّ ليلة فيدارِسُه القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]. وقد كان السلَفُ رحمهم الله إذا جاءَ رمَضان ترَكوا الحديثَ وتفرَّغوا لقراءةِ القرآنِ، وسيرتُهم إلى وقتٍ قريب شاهدةٌ لمن يختِم القرآن في رمضانَ كلَّ يوم أو كلَّ ثلاثةِ أيّام ونحو ذَلِك. فالهَجوا ـ رعاكُم الله ـ بذِكرِ ربِّكم، ورَطِّبوا ألسِنَتكم بتلاوةِ كِتابِه، فبهِ تزكو النّفوس وتنشرِح الصدور وتعظُم الأجور.

أيّها المسلِمون، الجودُ والإنفاق مرتَبِط بالقرآن، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حيث يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقَاه جبريلُ أجودُ بالخيرِ من الرّيح المرسلة. رواه البخاري(6)  وذلك أنَّ رمضانَ شهر يجودُ الله فيه على عبادِه بالرحمة والمغفِرة والعِتق من النار والرِّزق والفضل، فمن جادَ على عبادِ الله جاد الله عليه.

واليومَ وقد جفِّفَت كثيرٌ مِن منابع العطاءِ فمَن للفقراءِ والمساكين واليتامى والأيامى؟! من لشعوبٍ قهَرَتها الخُطوب وأوهَنَتها الحروبُ، سيحُلّ بهم الشّتاءُ عمَّا قريب، إخوةٌ لكم في الدّين من لهم بعدَ الله إلاَّ أنتم؟! فهل نتَّخِذ من هذا الشهر الكريم تجديدًا للبِرِّ والإحسان؟!

فيا مَن أفاء الله عليه من الموسرينَ، إنَّ الله هو الذي يعطِي ويمنَع ويخفِض ويرفَع، وهو الذي استخلَفَكم فيما رزقَكم لينظرَ كيف تعملون، والمؤمِنُ في ظِلِّ صدقته يومَ القيامة، (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39]، ولن يُعدَم الموسِر محتاجًا يعرِفه بنفسِه أو جهاتٍ موثوقَةٍ تعينُه.

أيّها المسلمون، الصومُ حِكَم وأسرار، ومنها أنّه حِرمان مشروع وتأدِيبٌ بالجوع وخُشوع لله وخضوع، يستثير الشَّفَقةَ ويحضُّ على الصّدقة، يكسِر الكِبر، ويعلِّم الصبر، ويسنُّ خِلالَ البرّ، حتى إذا جاعَ مَن ألِفَ الشِّبَع وحُرِم المترَف أسبابَ المُتَع عرَف الحرمانَ كيف يقع والجوعَ كيفَ ألمُه إذا لذع.

أيّها المؤمنون الصّائمون، رمَضان شهرُ الفُتوحات والانتِصارات، وبقدر ما نستبشِر بحلوله بقدرِ ما نعقِد الآمالَ أن يبدِّل الله حالَ الأمّة إلى عزٍّ ونصرٍ وتمكين، وأن يردَّها إليهِ ردًّا جميلاً، وإلاَّ فإنّ رمَضانَ يحلّ بِنا والأمة مثخَنَة بالجراح مثقَلَة بالآلام. يحلُّ رمضانُ ومسرَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم محتَلّ من حُثالةٍ نجِسة قد أصاب رجسُها أصقاعَ الأرض. يحُلّ رمضان والمرابِطون في أكنافِ بيت المقدِس من المؤمنين يقتَلون ويشرَّدون وتهدَم منازلهم وتجرَف أراضيهم وتبَادُ جماعتهم برِعايةِ الظالمين الذين شغَلوا الناسَ بطغيانٍ مماثلٍ له في أرضِ العراق، فإلى الله المشتكى. إنَّ أقلَّ حقٍّ لإخوانِكم وليس بقليلٍ في هذا الشهرِ الكريم أن تذكروهم بدعاءٍ صادق، وأن تدعُوا الله لهم في سجودِكم وإخباتكم، وأن تشاطِروهم قضاياهم وتهتمّوا بأحوالهم، ومن لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليس منهم، (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) [النساء:84].

إنّ رمضانَ موسمُ الإنابة والتّوبة، أفما آن للأمّة أن تحقِّق العبوديةَ الصادقة لخالقها، وأن تركنَ لباريها وتستنزِل النصرَ من السماء بأسبابه، وتتوجَّه إلى الله لا إلى سواه؟! إنّ الآمالَ كبيرة، والثّقةَ في اللهِ تعالى كامِلة، وهو المستعانُ وعليه البلاغ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:183-185].

بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله تعالى لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئةٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرّحِيم

 

(1)  صحيح البخاري: كتاب الإيمان (35، 37، 38)، صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين (759، 760).

(2)  صحيح البخاري: كتاب الصوم (1904)، صحيح مسلم: كتاب الصيام (1151).

(3)  صحيح البخاري: كتاب الصوم (1894)، صحيح مسلم: كتاب الصيام (1151).

(4)  صحيح مسلم: كتاب الطهارة (233) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)  صحيح البخاري: كتاب الصوم (1898، 1899)، صحيح مسلم: كتاب الصيام (1079) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)  صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق (3220). وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الفضائل (2308).

 

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِره، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفسِنا وسيّئات أعمَالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، جلّ عن الشبيه وعن الندِّ وعن النظير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله الهادي البشير والسراج المنير، بلَّغ الرسالَةَ، وأدَّى الأمانة، ونصَح الأمّة، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم البعث والنشور.

أمّا بعد: أيّها المؤمِنون، حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو غنيمَتَه فإنّه يجب عليه ابتداءً تفقُّد نفسِه ومراجعةُ عملِه حتى لا يتلبَّس بشيءٍ من الحوائِلِ والموانِعِ التي تحول بينَه وبين قبولِ العمَل أو تُلحِق النقصَ فيه؛ إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه وعمَلٍ يرجَى ثوابه فيلحقُ وِزره؟! ومِن ذلك التّفقُّه في دينِ الله واجتنابُ الذنوبِ والمعاصي ومحبِطات الأعمال وإعفافُ الجوارح، قال ابن رجب رحمه الله: "واعلَم أنه لا يتِمّ التقربُ إلى الله بتركِ هذه الشهواتِ المباحَة أصلاً في غيرِ حالِ الصيام إلاَّ بعد التقرُّب إليه بتركِ ما حرّم الله في كلّ حالٍ كالكذب والظلمِ والعدوان على الناس في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم  ((من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه)) رواه البخاري(1) ".

أيّها المسلمون، إنّ مقصودَ الصيام تربيةُ النفس على طاعةِ الله وتزكيتُها بالصبر وتنمِيَة التقوى واستعلاؤُها على الشهوات، وكما يمنَع الجسدُ عن بعض المباحاتِ فمِن باب أولى منعُ الجوارِحِ عنِ الحرام. إنَّ وقتَ رمضان أثمنُ من أن يضيَّع في السهراتِ الفارغات أو التسكُّع في الأسواقِ أو أمام شاشاتِ الفضائيات التي لو لم يكُن فيها إلاَّ إضاعةُ الوقت الثمينِ لكان ذلك كافيًا في ذمِّها، كيف وقد أجلبَت بخيلها ورجلِها وضاعفَت جُهدها لتقومَ بدورِها ودورِ الشياطينِ المصفَّدَة؟!

وأخيرًا، فكم بين من يَرعَى رمضانَ كأنه حبيبٌ زار بعد طولِ بِعاد وطيف خَيالٍ ألمَّ في طيبِ سُهاد، شغَلَه أنسُه بالعبادة عن الأنامِ، فهو يتمنَّى لو كان على الدّوام، وآخرُ يرى رمضانَ موسِمًا لنيلِ الشهواتِ، قد فرَّط في الإنابةِ والتوبة، واستكثَرَ من العثراتِ فازدادَ وِزرًا على وزره، واكتسب بأيّامه خُسرًا على خُسره، ولم يتزوَّد منه ليوم حشرِه. فاللهمَّ أعِنّا على ذكرك وشكرِك وحسن عبادتك.

هذا وصلّوا وسلّموا على رسول الله الرّحمةِ المهداة والنّعمة المسداة محمّدِ بن عبد الله صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر.

اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمّد وعلى آله وصحبه، وأورِدنا حوضَه، واحشُرنا في زمرته برحمتِك يا أرحم الرّاحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين...

 

 


 

 

(1)  صحيح البخاري: كتاب الأدب (6057) عن أبي هريرة رضي الله عنه

 

 



بحث عن بحث