شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام 

لفضيلة  الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 كتاب الصيام

 

1- عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال : قَالَ رَسولُ الله   - صلى الله عليه وسلم -(لا تَقَدَّموا رَمَضَانَ بِصَومِ يَومٍ وَلا يَومينِ ، إِلاَّ رَجُلاً كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ) متفق عليه .

-: الشرح :-

قوله: (كتاب الصيام): الصيام لغة هو الإمساك عن الكلام ومنه قوله - جل وعلا - عن مريم ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) .

ومنه قول الشاعر :

خيل صيـام وخيل غير صائمة       [تحت العجاج وأخرى تعلك اللَّجَمَا]

أما في الشرع: فهو إمساك بنية عن المفطرات في نهار الصيام .

يقال صيام إذا أمسك بنية الإمساك عن المفطرات في النهار سواء في نهار رمضان أو غيره يقال له صيام .

فالصيام شرعاً : هو الإمساك بنية التقرب بترك ما حرم الله  على الصائم من المفطرات من أكل وشرب وجماع ونحو ذلك .

والصيام قسمان :

1- فرض .

2- ونفل .

       ·          الفرض: هو صيام رمضان وهو أحد أركان الإسلام الخمسة وهو الرابع من أركان الإسلام الخمسة .

وهو شهر واحد في السنة فرضه  الله على المكلفين من الرجال والنساء .

ويلحق في ذلك صوم الكفارات الفرض ككفارة الظهار وكفارة الوطء في رمضان وكفارة القتل هذا فرض هذا ما شرعه الله مفروض ،كفارة القتل إذا عجز عن العتق ، ومثل هذا كفارة القتل إذا عجز عن العتق ، وكفارة الوطء في رمضان إذا عجز عن العتق يكون عليه الصيام إن استطاع .

ومن الفرض أيضاً النذور إذا نذر مثل لله علي أن أصوم كذا  أصوم يوم الاثنين أو صوم يوم الخميس أو يوم كذا .

   ·    ويكون نفلاً مثل صوم يوم الاثنين أو الخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام ست من شوال وصيام يوم وإفطار يوم هذا يسمى صوم تطوع .

لا يجوز للمسلم أن يتقدم  رمضان بصوم أو يومين على سبيل الاحتياط يخشون أن يفوته شيء ، ليس له ذلك بل عليهم أن يتحروا دخول الشهر بظهوره أو بإكمال شعبان وليس لهم التقدم على رمضان كما فعلت النصارى وغيرهم ، لا ، الواجب التقيد بالشرع .

أما إن صار يوم الشك ( فلا يصوم المسلمون قبله ) بل على (المسلم) التحري فيصام برؤيته ويفطر برؤيته .

فإن غُمَّ الهلال وجب إكمال شعبان عدته ثلاثين يوماً ثم يصوم المسلمون .

ولا يجوز التحري في ذلك وصوم يوم الشك بل لابد من إكمال العدة إن لم يرى الهلال .

فإن رأي الهلال لثلاثين من شعبان صام الناس صام الناس ، وإن لم يرى أكملوا شعبان ثلاثين هذا هو الراجح .

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال  : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) وهذا أبلغ في التحذير ، وأنه بعد النصف من شعبان لا يمكن الصيام للتطوع  أما إذا صام اكثر شعبان فلا بأس  وكان النبي - عليه  الصلاة والسلام - يصوم أكثره .

2- عَن ابنِ عُمَر- رضي الله عنه - قال : سمَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إِذَا رَأَيتُمُوهُ فَصُوموا وَإِذا رَأَيتُموهُ فَأَفطِروا فَإِن غُمَّ عَلَيْكُم فَاقدُروا لَهُ ) . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

 ومعنى هذا الكلام أن الواجب أن يصوموا لرؤية الهلال وأن يفطروا لرؤية الهلال .

وليس لهم الصوم بالحساب ولا بالاحتياط ، لا ، لابد من الرؤية أو إكمال العدة ولهذا قال : ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) ثلاثين ، وفي رواية أخرى ( فأكملوا عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً ) وفي لفظ آخر ( فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين ) ( فعدوا ثلاثين ) والمعنى واحد .

إذا غم هلال شعبان يكمل رجب ثلاثين يوماً ، إذا غم هلال رمضان يكمل شعبان ثلاثين يوماً فالشهر إما تسعة وعشرون وإما ثلاثون .

فإن رؤيا الهلال للثلاثين من شعبان صام الناس أو رؤيا الهلال للثلاثين من رمضان أفطر الناس فإن لم يرى كملوا شعبان ثلاثين وصاموا وكملوا رمضان ثلاثين وصاموا .

والأحاديث في هذا كثيرة تدل على وجوب اعتماد الرؤية ولا يجوز الاعتماد على الحساب ولا الصوم بجرد التحري والظن بل لا بد من الرؤية أو إكمال الرؤية هكذا شرع الله - عز وجل - .

وقد أجمع علماء الإسلام على أنه لا يعتبر الحساب في الصيام .

3- عَن أَنِسٍ - رضي الله عنه - قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ( تَسَحَّروا فَإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةٌ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

( السحور) ما يأكل في آخر الليل يقال له سحور .

( السحور ) بالضم الفعل من التَّسَحٌّر والأكل وبالفتح هو الطعام الذي يأكل يقال له سحور ، مثل الوُضُوء والطُّهُور الفعل ، والوَضُوء والطَّهُور-بالفتح- الماء المعد للطهارة .

والسحور مشروع للمسلمين أن يتسحروا حتى يتقووا به على طاعة الله .

و قد كان النبي يتسحر كما قال أنس : ( تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في رمضان فقيل كم كان بين الأذان والسحور؟  قال قدر خمسين آية  )  

 يعني كان سحوره - صلى الله عليه وسلم - متأخر في آخر الليل وهذا هو السنة تأخير السحور حتى يكون أقوى للصائم على طاعة الله فيكون السحور قرب الأذان ، يتسحر قبل الأذان بقليل ولهذا قال أنس لما سئل كم بين السحور والأذان قال : ( كان بين السحور الأذان قدر خمسين آية ) . خمسون آية بتلاوة متأنية مرتلة نحو خمس أو سبع دقائق إلى عشر دقائق .

والحاصل أن من السنة تأخير السحور ، وفي حديث علي ( لا يزال متي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ) وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : (  فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) فالأكل في السحر فيه إقامة السنة ومخالفة أهل الكتاب .

فالمسلمون  يشرع لهم السحور في آخر الليل لا في وسط الليل كما يفعل بعض الناس بل  السنة أن يتسحر في آخر الليل تأسياً بالنبي -  صلى الله عليه وعلى آله وسلم - صياماً وعملاً بسنته وهذا للنفل والفرض جميعاً .

**********

5- عَن عَائِشَةَ وَ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا - ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهوَ جُنُبٌ مِن أَهلِهِ . ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصوم ).

6- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) .

7- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ( بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت . فقال ( وما أهلكك ؟ أو مالك ؟) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم وفي رواية أصبت   أهلي في رمضان .

فقال رسول الله - صلى الله علي وعلى آله وسلم - ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال لا .

قال ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا .

قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكينا ) قال : لا.

فبينما نحن على ذلك إذا أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر ) والعرق : المكتل .

قال : أين السائل ) ؟ قال : أنا . قال ( خذ هذا فتصدق به ) .

قال على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي .

فضحك  النبي - صلى الله عليه وعلى آله سلم - حتى بدت أنيابه ، ثم  قال : ( أطعمه أهلك ) .

الحرة : الأرض تركبها حجارة سود .

-: الشرح :-

حديث عائشة وما جاء في معناه كحديث أم سلمة -ر ضي الله عنهما - يدلان على أنه لا حرج على من أصبح جنباً أن يغتسل بعد الصبح ويصوم ، وأن المحرم إنما هو الجماع ، إذا جامع في الليل أو في آخر الليل  وأخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر فلا حرج في ذلك ، وقد النبي -- عليه الصلاة والسلام - يصبح جنباً ثم يغتسل ويصوم -عليه الصلاة والسلام - وفي رواية أم سلمة ( ولا يقضي ) فدل ذلك على أنه لا مانع من تأخير الغسل قد يحتاج إلى الشغل في السحور وغير ذلك و إذا أخر الغسل فلا بأس . يغتسل ولو بعد طلوع الفجر وصومه صحيح وليس عليه قضاء .

المحرم الجماع بعد طلوع الفجر أما كونه يؤجل الغسل .

وهكذا الحائض إذا طهرت آخر الليل وصامت واشتغلت بالسحور وأخرت الغسل إلى بعد طلوع الفجر فلا حرج في ذلك ، تأخير الغسل لا يضر لا من الحائض ولا من النفساء ولا من الجنب لكن عليهم المبادرة بالغسل حتى يصلوا الصلاة في وقتها على الحائض وعلى النفساء أن تبادر بالغسل بعد طلوع الفجر إذا رأت الطهارة في آخر الليل تصوم شهر رمضان وتغتسل قبل طلوع الشمس وهكذا الرجل الجنب عليه أن يغتسل ويبادر حتى يصلي مع الجماعة ولا يضره تأخيره إلى ما بعد الأذان أذان الفجر .

والحديث الثاني حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) .

هذا من فضل الله - عز وجل - الإنسان يعتريه النسيان كما قال النبي - صَلى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَسَلَّمَ -( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ) فالبشر من طبيعته النسيان فإذا نسي وهو صائم في رمضان أو في كفارة فأكل أو شرب أو تعاطى مفطراً آخر نسياناً فصومه صحيح لهذا الحديث الصحيح وفي رواية أخرى عند الحاكم ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) فلو جامع ناسياً أو أكل ناسياً أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا كفارة عليه ولا فطر عليه ولا قضاء عليه إذا كان ناسياً والله أعلم بالحقائق فالله يعلم الحقيقة والله يعامله على ما هو عليه من صدق أو كذب لكن إذا كان الإنسان صادقاً أنه ناسي فلا قضاء عليه  صومه صحيح .

أما ن كان يكذب فهذا أمره إلى الله لا تنفعه الفتيا ولو أفتاه ألف مفتي إذا كاذباً فعليه إثم ما فعل - والعياذ بالله - لكن مادام صادقاً أنه ناسي فإن صومه صحيح .

والإنسان يبتلى بالنسيان - وهو معذور - حتى في الصلاة التي هي أعظم من الصيام قد ينسى ويسلم عن نقص وقد يترك بعض الأركان فيعمل ما شرعه الله  في الصلاة إذا نسي ركعة أتى بركعة أخرى وكمل صلاته بسجود السهو .

وإذا سلم ونسي ركن أتا به .

وإذا نسى واجباً سقط عنه (..؟..) .

وهكذا في الصوم الأمر ليس باختيار الإنسان ولكنه مخلوق على هذه الصفة ينسى ، وقد نسي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق وسهى في الصلاة - عليه الصلاة والسلام - فهكذا بنوا آدم كلهم ابتلاهم بالنسيان في الصلاة وغيرها .

وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحكام النسيان في الصلاة وهكذا في الصوم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه لا يضره أكله وشربه ناسياً وهكذا الجماع وهكذا الحجامة وكل ما مر من المفطرات إذا فعلها ناسياً ولم ينتبه إلا بعد ذلك فصومه صحيح .

وهكذا لو جامع عامداً فعليه كفارة ولهذا لما جاءه الرجل وقال هلكت فقال ( وما أهلكك ؟ أو مالك ؟) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم ) يعني وقعت عليها عمداً حمله الهوى والشيطان حتى وقع عليها فأخبر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عليه كفارة وهي عتق رقبة مؤمنة فإن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكيناً كالظهار كالذي ظاهر من امرأته يحرمها هذه الكفارة المرتبة العتق ثم الصيام ثن الطعام حسب طاقته إن استطاع العتق وجب عليه العتق عتق رقبة مؤمنة ذكراً أو أنثى ، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين وهي مثله إذا كانت مطاوعة مثله عليها كفارة أما إذا كانت مقهورة بالقوة فليس لها اختيار وليس لها قدرة فهي معذورة ، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً  .

وفي هذا الحديث أن هذا الرجل قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال لا .

قال ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا .

قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكينا ) قال : لا. )  فجلس وسكت النبي - صلى الله ليه وعلى آله وسلم - ثم جيء  النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرق من تمر فدفعه له فقال أطعم بهذا تصدق بهذا  .

فقال له يا رسول الله والله ما بين لابتيها - يعني المدينة - أهل بيت أفقر من أهل بيتي .-  يعني إنا أولى بهذا الطعام من الفقراء .

فضحك  النبي - صلى الله عليه وعلى آله سلم - - من عجب أمره ، يستفتي عن كفارته ثم طمع فيها لنفسه لحاجته - ثم  قال : ( أطعمه أهلك ) .

وهذا يدل على أن الإنسان مصدق في عجزه لأنه أعلم بنفسه قال [أنه] ما يستطيع الصوم ما يستطيع العتق ما يستطيع الإطعام فهو اعلم بنفسه فالله يحاسبه على ما كذب فيه.

ويدل على أنه إذا عجز عن لإطعام أو الصيام أو العتق في (..؟..) يسقط عنه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما قال له إذا قدمت أو إذا أيسرت فكفر بل قال ( اذهب فأطعمه أهل ) وسكت عنه فدل على سقوط وأنه إذا عجز عن هذه الكفارة  سقت عنه رحمة من الله .

أما في الظهار فلا تسقط عنه بل تبقى في ذمته حتى يستطيع واحدة من الثلاثة :

العتق أو الصيام أو الإطعام حسب التيسير .

أما في هذا فقد بين - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تلزمه لأنه قال : ( أطعمه أهلك ) وأهل الإنسان ما هم مصرف للكفارة فدل على سقوطها عنه للعجز هذا والله أعلم .

**********

 

 

باب السفر في الصوم وغيره

8- عن عائشة - رضي الله عنها - : أن حمزة بن عمرو الأسلمي ، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام قال : ( إن شئت فصم ، وإن شئت فأطر ) .

9- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال  : ( كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ) .

10- عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان في حر شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعد الله بن رواحة . 

 11- عن جابر - رضي الله عنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  في سفر ، فرأى زحاماً ، ورجلاً قد ظلل عليه ، فقال : ( ما هذا ؟) قالوا : صائم . قال : ( ليس  من البر الصيام في السفر ) .

وفي لفظ لمسلم : ( عليكم برخصة الله التي رخص لكم ) .

-: الشرح :-

 هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصوم في السفر.

وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دل القرآن على أنه لا حرج في الصوم في السفر ولا حرج في الإفطار وأنه رخصة من الله - عز وجل - كما قال -عز وجل -  ) ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر  ( يعني إذا أفطر فعليه عدة من أيام أخر فالمسافر مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر ، إلا إذا كان في الصوم شدة وحرج فالسنة له الإفطار ويكره له الصوم لما فيه من المشقة لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( ليس من البر الصيام في السفر ) ليس من البر الكامل ( الصوم في السفر ) وذلك لما رجل قد ظلل عليه واشتد عليه الزحام بسبب ما أصلبه من الشدة كره له الصوم - عليه الصلاة والصيام - قال : ( ليس من البر ) يعني من البر الكامل ( الصوم في السفر ) أو ( ليس من البر الصوم في السفر ) إذا كان فيه مشقة جمعاً بين الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ولهذا في الحديث الأول حديث حمزة بن عمرو الأسلمي قال له - صلى الله عليه وسلم - ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ) وفي لفظ آخر ( الفطر هو رخصة من الله فمن أخذ بها فهو حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح إليه ) .

وفي حديث أنس أنهم كانوا يسافرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ) وكان معهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما أفطر وربما صام - عليه الصلاة والسلام - .

وفي حديث أبي الدرداء أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر وكانوا مفطرين ليس فيهم من هو صائم إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعبدالله بن رواحة وكان السفر شديداً ) وهذا لعله كان أولاً قبل أن يأتي الوحي بكراهة الصوم في حالة الشدة .

يحمل  حديث أبي الدرداء أن هذا كان أولاً ثم أنزل الله التخفيف والتيسير والحث على الإفطار في السفر  إذا كان فيه شدة في حديث جابر ، وهذا هو الجمع  بين الأخبار إن كان فيه شدة كره الصوم وشرع الإفطار بتأكد لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( ليس من البر الصوم في السفر ) يعني ليس من البر الدائم الصوم في السفر .

أو ( ليس من البر الصوم في السفر ) إذا كان الوقت شديدة الحرارة ويشق على المؤمن .

أما إذا كان الوقت ليس فيه شدة فله الخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر والفطر أفضل في كل حال لعموم قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ( ليس من البر الصوم في السفر ) فالفطر أفضل لما فيه من قبول النصح قال - عليه الصلاة والسلام- : ( إن الله يحب أن تأتى رخصه ) وقال في حديث حمزة بن عمر في رواية مسلم : ( هو رخصة من الله فمن أخذ بها فهو حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه  ) فدل على أن الصوم ليس فيه جناح والفطر أفضل .

ولأن الغالب على المسافر أنه يتأثر بالصوم ويشق عليه حتى ولو كان في غير شدة الحر فإذا أفطر فهو أفطر وإن صام فلا حرج عليه .

أما مع الشدة ومع شدة الحر والتكلف فإنه يشرع له الفطر ويتأكد عليه وفق الله الجميع - وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

**********

13- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، فمنا الصائم ومنا المفطر .

قال : فنزلنا منزلاً في يوم حار وأكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء ومنا من يتقي الشمس بيده .

قال : فسقط الصُّوَّمُ  وقام المفطرون ن فضربوا البنية وسقوا الرِّكَاب .

فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ذهب المفطرون اليوم بالأجر ) .

14- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان يكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ) .

15- عن عائشة - رضي الله عنها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) .

وأخرجه أبو داود وقال : هذا في  النذر خاصة ، وهو قول احمد بن حنبل.

- :الشرح :-

هذه الأحاديث الثلاثة أحدها يتعلق بالصوم في السفر وهو حديث أنس - رضي الله عنه - أنهم كانوا مع النبي - عليه الصلاة والسلام - في سفر ونزلوا منزلاً في يوم حار يعني شديد الحر -صائف - وأكثرهم ظلاًّ صاحب الكساء وفيهم الصائم وفيهم المفطر ، قال : فسقط( الصُّوَّام ) يعني ضعفوا وسقطوا في الأرض للراحة من شدة الحر ( وقام المفطرون فضربوا الأبنية ) يعني الخيام ( وسقوا الركاب ) يعني سقوا الإبل ( فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - ذب المفطرون اليوم بالأجر ) وهذا يدل عل أفضلية الفطر في السفر ولا سيما عند شدة الحر فإنه أولى من الصوم وهو رخصة ينبغي أن تقبل والله يقول - سبحانه -  ) ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر  ( وقال - عليه الصلاة والسلام - ( ليس من البر الصيام في السفر ) يعني ليس من البر الكامل الصوم في السفر بل الفطر أفضل والله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ، فإذا اشتد الحر صار الفطر متأكداً حتى يقوم كل واحدٍ بحاجته وبعمله وينشط في خدمة إخوانه  .

أما إذا صام وأفطر غيره صار عبأً على إخوانه وصار مشقةً عليهم لضعفه وعجزه ولأنه في الحقيقة التي فيها إنعام الله عليه وإحسانه إليه والرفق به فينبغي أن يقبلها .

وحديث عائشة - رضي الله عنها - تقول : ( كان يكون علي الصوم من رمضان وما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ) هذا يدل على أنه لا باس بتأخير القضاء ، فمن قضى مباشرة فلا بأس وهو أفضل ومن تأخر فلا حرج ولا سيما إذا كان هناك حاجة كحاجة الزوج إليها أو لمرضها أو غير ذلك من الأعذار التي تقتضي تأخيرها القضاء فالأمر في هذا واسع - والحمد لله - .

لها أن تؤخر إلى شعبان كالحائض التي أفطرت لأجل الحيض أو لأجل المرض ، أو الرجل كذلك إذا أفطر لأجل المرض أو السفر إذا أخر فلا حرج ، وإن بادر فهو أفضل ، وإن دعت الحاجة إلى التأخير فلا باس في ذلك لهذا الحديث الصحيح ، ولأن الله سبحانه قال -  ) فعدة من أيام أخر (  ولم يقل ( مبادرةً ) أو قال ( يبادروا ) بل قال -  ) فعدة من أيام أخر ( فدل على التوسعة .

والحديث الثالث تقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) هذا حديث عظيم يدل على أنه من مات وعليه صيام يشرع لأوليائه وهم القرابة - الولي [هو] القريب -يشرع لهم أن يصوموا عنه كأن يموت وعليه نذر - نذر طاعة - أو صوم كفارة أو قضاء من رمضان لم يصمه وهو يستطيع الصيام ولكن تسال وأخر القضاء فإن المشروع لأوليائه أن يقضوا عنه ، أولاده إخوانه وغيرهم من أقاربه زوجته ولو صام عنه غير قريب أجزأ لأنه دين والله أحق بالقضاء والدين يقضيه القريب وغير القريب لكن أقاربه أولى وأفضل  لما فيه من الإحسان إليه وصلة رحمه .

فإذا لم يتيسر من يقضي عنه أطعم عن كل يوم مسكين .

أما قول أبوا داود عن أحمد ( أن هذا في النذر خاصة ) فهو قول ضعيف ، قول مرجوح والصواب أنه عام يعم رمضان ويعم النذر لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمم قال : ( من مات وعليه صيام ) وهذا نكرة في سياق الشرط تعم جميع أنواع الصيام الواجب تعم الكفارة والنذر ورمضان تعم الجميع .

ولا يجوز تخصيصه بالنذر إلا بدليل وليس هناك دليل .

وقد ثبت من حديث ابن عباس في مسند أحمد أن امرأةً قالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم عنها؟ . قال : ( أفرأيت إن كان على أمك دين أكنت قضيته  فدين الله هو أحق بالقضاء ) .

وجاءه وسأله ساءلون أحدهم يقول  يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر .

والآخر يقول إن أمي ماتت وعليها صيام شهرين .

والآخر يقول إن أبي مات وعليه صوم كذا ..

فيأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء ولا يستفصل منهم ما يقول هل من رمضان أو غير رمضان ما يستفصل ، ولو كان خاصاً بالنذر لاستفصل - عليه الصلاة والسلام - فلما عمم الفتوى دل على العموم ولهذا  قال - عليه الصلاة والسلام : ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) وهذا عام ، جملة عامة تعم أنواع الصوم الواجب من نذر أو كفارة أو رمضان إلا إذا كان  أفطر في رمضان معذوراً كأن كان أفطر من مرض ومات في مرضه أو أفطر في السفر ومات في سفره هذا ما عليه .

أو طال به [مرضه] ولم يعش وقدر الأيام التي مرت عليه فإنه يصام عنه ما أدرك وهو صحيح ن وإن صيم عنه كل شيء هذا إحسان ولا بأس لكن هذا يجب الصوم عنه إلا إذا فرط إذا طاب من مرضه وتساهل ومضت أيام بقدر ما عليه ولم يصم .

إلا إذا كان مات في مرضه فهو معذور .

وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد  .

**********

16- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها؟ قال : ( لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ ) .

قال : نعم ، قال ( فدين الله أحق أن يقضى ) .

وفي رواية جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ قال : ( أفرأيت لو كان على أمك دين فقضيته ، أكان يؤدي ذلك عنها ؟ ) قال : نعم قال : ( فصومي عن أمك ) .

17- وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور وأخروا الحور ) .

18- عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال : - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أقبل من ههنا ، وأدبر النهار ، فقد أفطر الصائم ) .

-: الشرح :-

هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالصوم .

الحديث الأول ( أن رجلاً قال يا رسول الله إن أمي ماتت معليها صوم شهر أفأصوم عنها ) وفي رواية أخرى ( أن امرأة قالت إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها فقال لهها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه ؟)  قال : نعم قال : ( فدين الله أحق بالقضاء ) وهكذا قال للمرأة قال : صومي عنها ، فهذا يدل على أن الرجل إذا مات أو المرأة إذا ماتت وعليها صوم نر أو كفارة أو رمضان لم تصمه وتيسر لها القضاء ولم تقضي فإنه يقضى عنه لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - عمم وأطلق ولم يقل هل هو نذر أم غير نذر ، فلم يستفصل ، فدل ذلك على ان من مات وعليه صيام يصام عنه ويدل على هذا الحديث السابق ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) فإن عام يعم صوم النذر وصوم الكفارة وصوم رمضان إذا تساهل ولم يقضي حتى مات .

أما إذا مات في مرضه أو بسفر فهو معذور في رمضان ، لكن إذا أخر الصيام بغير عذر إن يقضى عنه لهذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه ومن قال إنه خاص بالنذر فقوله ضعيف ، وهو عام يعم النذر ويعم الكفارة ويعم صوم رمضان ويدل على هذا ما تقدم ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) ولو كان خاصاً لبينه  - صلى الله عليه وسلم - فإنه أفصح الخلق وأنصح الخلق - عليه  الصلاة والسلام - وعليه البلاغ ولو كان هذا يخص النذر لبينه - عليه الصلاة والسلام - .

ويؤيد هذا ما ثبت في مسند أحمد (بإسناد صحيح [ في الشريط غير واضحة ولعها ( جبد )والتصحيح من الفتاوى 15/374]) عن ابن عباس -رضي الله عنهما - أن امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم عنها؟ . قال : ( صومي عنها ) .

والحديث الثاني حديث سهل بن سعد الساعدي الأنصاري - رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) وفي رواية ( وأخروا السحور ) هذا يدل على شرعية تعجيل الإفطار وأن الأمة لا تزال بخير  ما دامت تراعي هذا وتعجله إذا غابت الشمس هذا السنة إذا غابت الشمس فالبدار بالفطور .

وفي الحديث الآخر يقول الله - جلا وعلا - ( أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ) وهكذا السحور يؤخر [إلى] آخر الليل ، هذا هو الأفضل يكون آخر الليل كما تقدم في حديث زيد بن ثابت أنهم تسحروا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسأله أنس قال كم كان بين الأذان والسحور؟ قال : ( قدر خمسين آية ) يعني أنه أخر السحور عليه الصلاة والسلام إلى آخر الليل .

والسحور سنة مؤكدة كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) وهو سنة للمسلم في  آخر الليل حتى يتقوى به على طاعة الله والأفضل له أن يؤخر السحور ويعجل الإفطار هذا هو السنة .

والحديث الثالث حديث عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -أنه قال : ( إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا فقد أطر الصائم ) وفي اللفظ الآخر ( إذا أقبل الليل من ههنا ) يعني من جهة المشرق ( وأدبر النهار من ههنا ) يعني من جهة المغرب يعني غروب الشمس وغربة الشمس فقد أفطر الصائم ، ولو بقي صفرة في الدنيا ما عليها عبرة متى غابت الشمس سقطة الشمس أفطر الصائم ول بقي لها آثار الصفرة  بين الجبال والأشجار ما دام غاب القرص أو سقط القرص فإنه يفطر الصائم .

أما إذا كانت ما غابت وإنما حال دونها جبل أو قصر أو كذا .. ما يفطر حتى يعلم أنها غابت (..؟..) من جهة المغرب .

فإذا غابت الشمس أفطر الصائم ولو بقي لها آثار نور من جهة طرف الحبال أو أطراف الشجر صفرة (..؟..) ما تمنع .

المهم هو غيبتها إذا غاب القرص وسقط القرص أفطر الصائم .

وفق الله الجميع وصلى الله على نبينا محمد .

**********

19- عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال ، قالوا : يا رسول الله إنك تواصل ، قال : ( إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى ) .

ورواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - .

ولمسلم عن أبي  سعيد الخدري - رضي الله عنه : ( فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ) .

باب أفضل الصيام وغيره

20- عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقال : ( أنت الذي قلت ذلك ) فقلت له : قد قلته بأبي أنت وأمي . قال : ( فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ، ونم و قم  ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشرة أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ) .

قلت : أني لأطيق أفضل من ذلك .

قال : ( فصم يوماً وأفطر يومين ) فقلت : إني لأطيق أفضل من ذلك .

قال : ( فصم يوماً وأفطر يوماً ؛ فذلك صيام داود  -عليه السلام- ، وهو أفضل الصيام ) .

فقلت : إني لأطيق أفضل من ذلك ، فقال : ( لا أفضل من ذلك ) .

وفي رواية قال : ( لا صوم فوق صوم أخي داود - عليه السلام- شطر الدهر صم يوماً وأفطر يوماً ) .

21- عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أحب الصيام إلى الله صيام داود ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ،كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) .

-: الشرح :-

في الحديث الأول أنه - عليه الصلاة والسلام - ( نهى عن الوصال ) والوصال معناه أن يصل يومين أو أكثر مع ليلهما دون أن  أكل ولا شرب ولا يفطر ، هذا الوصال يعني يصوم النهار والليل جميعاً ولا يأكل شيئاً لا في الليل ولا في النهار ولا يشرب ولا يتعاطى شيء من المفطرات هذا يسمى الوصال يعني وصل يوم بيوم وجعل الليل كالنهار لا يأكل فيه .

[و] الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عن الوصال لما فيه من المشقة والتعب ، والله شرع للأمة ما فيه والإحسان إليها والرحمة لها والرفق بها فضل من الله وإحسان كما قال الله - عز وجل -  ) يريد الله بكم اليسر ( فالله يسر ونهى عن الوصال لما فيه مشقة ، فقالوا: ( يا رسول إنك تواصل ) يعني إنك تفعل هذا أنت قال : ( لست مثلكم ) وفي رواية ( لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى ) وفي لفظ الآخر ( أبيت جبريل يعمني ويسقين ) وفي لفظ آخر ( إني أبيت عند ربي يطعمن ويسقيني ) هكذا جاء الحديث عن ابن عمر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم في النهي عن الوصال .

وفي رواية أبي سعيد عند أبي مسلم ( فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ) يعني إذا كان لا بد من الوصال فليواصل إلى السحر يعني يصوم النهار مع غالب الليل ثم يجعل سحوره عشاء ، من السحور إلى السحور لا بأس في هذا ، ولكن كونه يفطر في آخر الليل أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر  ) ولقوله الله سبحانه ( أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ) فالسنة للصائم أن يبادر بالإفطار إذا غابت الشمس لكن لو واصل وترك الأكل والشرب إلى السحر فلا حرج لحديث أبي سعيد هذا وما دل على معناه .

أما أنه يواصل الليل مع النهار فهذا مكروه لا ينبغي ليس بحرام لكنه مكروه ولهذا في حديث أبي هريرة ( فواصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأو الهلال ثم قال : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) كان ذلك حينما نهاهم وأبو أن ينتهوا وهذا يدل على أن الوصال  صحيح جائز لكنه مكروه منهي عنه وليس بحرام لأنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واصل بهم فلو كان حرماً ما واصل بهم  ولا أوقعهم في الإثم لكن يدل على نه كان مكروه رفقاً بهم ورحمة لهم فلا ينبغي لهم أن يواصلوا ويكره لهم أن يواصلوا لهذا الحديث الصحيح الذي فيه النهي عن ذلك والزجر عن ذلك رحمة للعباد والإحسان إليهم ورفقاً بهم وتيسيراً عليهم من الله - سبحانه وتعالى - .

وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - : أنه بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت ) فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أنت قلت ذلك ) قال : ( نعم بأبي أنت وأمي ) يعني أفديك بأبي أنت وأمي فقال : ( إنك لا تستطيع ذلك ) الإنسان يتعب من هذا أن يصوم يوم ويفطر يوم دائما هذا فيه مشقة ولهذا قال ( إنك لا تطيق ذلك ، فصم وأفطر ونم وقم وصم من الشهر  ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشرة أمثالها ) يعني يكفيك هذا أن تصوم يوم وتفطر يوم أو سواء تصوم وتفطر حسب التيسير وتصوم من الشهر ثلاثة أيام فالحسنة بعشرة أمثالها ثلاثة أيام بثلاثين كأنه صام الدهر .

قال : ( فإني أطيق أكثر من ذلك ) قال : ( فصم يوماً وأفطر يومين ) قال : ( صم يوماً وأفطر يوماً ) قال : ( إني أطيق أكثر من ذلك ) قال: ( أفضل من ذلك ) يعني هذا  هو أفضل الصيام صوم داود - عليه الصلاة والسلام - كان يصوم يوماً يفطر يوماً وفي اللفظ الآخر ( إن أحب الصيام صيام داود ، وإن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ) فإن النبي داود - عليه الصلاة والسلام - ( كان يفطر يوماً ويصوم يوماً ، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) هذه صلاة داود كان ينام النصف الأول ويقوم السدس الرابع أو الخامس وينام السدس الأخير ليتقوى على عمل النهار، وهذا هو أفضل القيام .

( وأحب الصيام إلى الله صيام داود ) لأنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً هذا أفضل الصيام وأعدله وإن صام الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر كفى ، ولا يكفل نفسه أن يصوم يوماً ويفطر يوماً كما قاله النبي - عليه الصلاة والسلام - .

قال عبد الله لما كبر وضعفت قوته تأسف وقال : ( يا ليتني قبلت رخصة رسول الله - عليه الصلاة والسلام ) ولم يحب أن يدع السنة التي فارق الرسول - علية الصلاة والسلام - عليها .

فكان يصوم أيام متعددة ثم يفطر مثلها يتقوى بذلك ،وبهذا يعلم أن الوصال - كما تقدم - مكروه ولا ينبغي لكن إذا أراد أن يواصل إلى السحر فلا بأس ، ويعلم أن أفضل الصيام صيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وإذا اكتفى بصوم يومي الاثنين والخميس  أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر فحسن لأنه قد يشق عليه صيام يوم وإفطار يوم لكن من قوي على هذا فهو أفضل الصيام فيصوم يوماً ويفطر يوماً .

ويبين الحديث أن الصلاة والتهجد بالليل أفضله ينام نصف الليل الأول ويقوم الثلث ، يعني السدس الرابع والخامس ويستريح السدس  الأخير ليتقوى به على العمل وإن صلى في الليل الأخير ونام في الثلثين الأولين بعد صلاة العشاء كله طيب كله حسن فإن شق عليه القيام في آخر الليل فالأفضل أن يوتر في أول الليل قبل أن ينام بعد صلاة العشاء يوتر ثم ينام حتى لا يفوته قيام الليل لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من خاف ألا يقوم في آخر الليل فليوتر في أوله ) ومن طمع أن يوتر آخر الليل فيوتر آخر الليل ، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك الأفضل  آخر الليل أفضل لمن قوي على ذلك ومن عجز وخاف ألا يقوم أوتر في أول الليل .

**********

22-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أوصاني خليلي بثلاث : ( صيام ثلاثة أيام من كل شهر .

وركعتي الضحى .

وأن  أوتر قبل أن أنام ) .

23- عن محمد بن عباد بن جعفر قال : سألت جابر بن عبدالله : أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الجمعة ؟ قال : ( نعم ) . وزاد مسلم ( ورب الكعبة ) .

24- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة ، إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً  بعده ) .

-: الشرح :-

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بأنواع من العبادة .

في الحديث الو في الدلالة على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر (..؟..) سنة الضحى ، والإيتار قبل النوم .

وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوصى ؟ أبا الدرداء أيضاً وأوصى بذلك عبدالله بن عمرو بتن العاص أوصاه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وقال له : ( الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر وأوصى بذلك أبا ذر أيضاً وهذا يدل على شرعية صيام ثلاثة أيام منن كل شهر سواء في العشر الأول أو في العشر الوسط أو في الأخيرة سواء كانت متتابعة أو مفرقة كل ذلك حسن و الحسنة بعشرة أمثالها فالمعنى أن كل يوم بعشرة فكأنه صام الدهر كله وهذا من فضل الله - عز وجل - وإن صامها أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو أفضل كما في حديث أبي ذر .

كذلك صلاة الضحى سنة أوصى بها النبي - صلى الله ليه وسلم - أوصى بها أبا الدرداء وأبا هريرة وأوصى بها آخرين وقال - عليه الصلاة والسلام - (يصبح على كل سلامى ) يعني مفصل ( من الناس صدقة ، فبكل تهليلة صدقة وتسبيحة صدقة وتحميدة صدقة وكل تكبيرة صدقة وقول معروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة قال ويكفي عن كل ذلك ركعتان تركعهما من الضحى ) يعني ركعتان من الضحى قامت مقام هذه الأعمال التي تؤدي عن مفاصله فسنة الضحى عبادة مؤكدة وأقلها ركعتان بعد ارتفاع الشمس  إلى وقوف الشمس كله صلاة ضحى من بين ارتفاعها قيد رمح إلى وقوفها في كبد السماء وأفضل ذلك عند شدة الحر إذا اشتد الضحى قبل الظهر بنحو ساعة أو ساعة ونصف أو ساعتين وهذا هو الأفضل وهي ( صلاة الأوابين ) عند شدة الضحى .

وإذا صلاها أربع أو ست أو ثمان أو أكثر كله حسن ، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ثمان ركعات في الضحى وروي عن عائشة أنه صلى عدة سبعة ركعات في صلاة الضحى ، فهي سنة مؤكدة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن فعله  وهكذا الوتر قبل النوم ، الوتر سنة مؤكدة ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وأفضل ذلك في آخر الليل وإن خاف ألا يقوم من آخر الليل أوتر في أوله .

ولعل السر في وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر وأبي هريرة وأبي الدرداء بالوتر أول الليل لأنهما كانا لا يستطيعان فعل ذلك في آخر الليل إما لدرس الحديث وإما لأسباب أخرى فلهذا أوصاهما بالوتر في أول الليل .

أما من قدر واستطاع أن يصلي في آخر الليل فهو أفضل  كما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وهو الأفضل ) رواه مسلم في الصحيح ولقوله -  صلى الله عليه وسل - : ( ينزل ربنا - عز وجل - إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فينادي هل من سائل فيعطى سؤله هل من داع فيستجاب له هل من مستغفر فأغفر له حتى يطلع الفجر ) هذا وقت عظيم إذا تيسر فيه القيام والقراءة والدعاء والصلاة .

أما الحديثان الثاني والثالث فهما يدلان على أنه لا يجوز إفراد الجمعة بالتطوع ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إفرادها - الجمعة - بالتطوع .

أما إذا صام فبلها يوم وبعدها يوم فلا بأس إذا صام الخميس مع الجمعة ، أو الجمعة مع السبت فلا بأس  ، أما إفرادها فقد نهى النبي عن ذلك - عليه الصلاة والسلام - ، فهي عيد أسبوع فلا تفرد  ولما رأى بعض أزواجه صامت يوم الجمعة - وهي جويرية بنت الحارث - قال : ( أصمت أمس ؟ ) قالت : ( لا ) قال ( هل تريدين أن تصومي غداً ) قالت : ( لا ) قال : ( فأفطري ) فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يصام وحدة لا يتطوع به وحده ولكن يصام قبله يوم أو بعده يوم كما أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - ونهى عن إفراده .

وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

**********

25- عن عبيد مولى ابن أزهر ، واسمه سعد بين عبيد قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : ( هذان يومان نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما :يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر الذي تأكلون فيه من نسككم ) .

26-عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : ( نهى رسول الله - صلى الله  عليه وسلم - عن صوم يومين النحر والفطر ، وعن اشتمال الصماء ،وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر ) . أخرجه مسلم بتمامه ، وأخرج البخاري (الصوم) منه فقط .

27- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) .

-: الشرح :-

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بمسائل في الصوم وفي مسائل أخرى .

في الحديث الأول النهي عن صوم يومي عيد الفطر والنحر ، فإن الله نهى عن صيامهما وهكذا في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - النهي عن صيامهما أيضا فهما لا يصامان يوم عيد الفطر ويم عيد النحر ، إن صامهما فإن صومه باطل وعليها التوبة إلى من ذلك لأنها معصية وهكذا أيام النحر أيام التشريق الحادي والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة يقال لها أيام التشريق  ويقال لها أيام النحر فهذه لا تصام أيضاً ، لأنها أيام عيد .

فهي خمسة أيام من السنة يوم عيد الفطر ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة فالجميع ثلاثة هذه لا تصام يجب على المسلمين إفطارها إلا من عجز عن الهدي ، هدي التمتع والقران هذا له أن يصوم أيام التشريق بصفة خاصة مستثناة  كما في حديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصام إلا لمن لم يجد الهدي ) يعني هدي التمتع ، ومن سواه لا يصوم أيام التشريق .

أما يوما العيد ؛ عيد الفطر وعيد النحر هذان لا يصامان لجميع الناس لا لصاحب هدي ولا لغيره .

وفي حديث أبي سعيد النهي عن ( اشتمال الصماء ) واشتمال الصماء هو أن يلتحف في ثوب واحد يخشى أنه إذا تحرك أو أراد أخذ حاجة ظهرت عورة ، سميت صماء لأنه لا منفذ لها يتلفلف فيها تلفلفاً  غير مربوط بخلاف إذا كان متزر بثوب ويربطه عليه أو يجعل أطرافه على عاتقيه كل هذا لا بأس به .

 أما إذا اشتمالها ، لف الثوب عليه من غير ربط له ولا عناية فإن هذا قد تبدوا من العورة ، فلا يجوز التلفف بالثوب  الثوب على وجه يخشى منه ظهور العورة .

وفسرت  أيضاً بجعل الثوب على أحد عاتقيه ويسدله على جانبيه من غير ضبط للعورة لأن الواجب ستر العورة .

( وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ) احتبائه كونه ينصب فخذيه وساقيه ويربط الثوب على ساقيه وعلى أسفل ظهره  يقال له احتباء ويقال له احتباء لأنه يبدي العورة إلى جهة السماء .

وإذا صارت العورة غير مستورة قد يقف عليه من يمر عليه ويقف يكلمه ويرى عورته ، فلا بد أن يكون عليه ثوب آخر إزار أو سراويل حتى إذا احتبى تكون العورة مستورة ، أما إن يحتبي ويربط الثوب على أسفل ظهره وعلى رجليه وتبقى عورته بارزة إلى جهة السماء  غير مستورة فهذا لا يجوز .

والمسألة الرابعة ( نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ) نهى عن صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس وبعد العصر حتى تغيب الشمس هذان الوقتان نهي عن الصلاة فيهما إذا الناس الفجر نهي عن الصلاة ، حتى ترتفع الشمس قيد رمح ، وهكذا بعد طلوع الفجر لا يصلي إلا ركعتي الفجر سنتي الفجر ، ثم الفريضة يصليها لكن يستثنى من ذلك تحية المسجد لو دخل بعد الصبح أو بعد العصر يصلي تحية المسجد ، وصلاة الجنازة يصلى عليها بعد الفجر وبعد العصر في الوقتين الطويلين .

وصلاة الكسوف وصلاة الطواف هذه مستثناة لأنها من ذوات الأسباب لو طاف بمكة بعد العصر أو بعد الصبح جاز له أن يصلي ركعتي الطواف لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت و صلى أية ساعات في الليل أو النهار ) .

والحديث الثالث حديث أبي سعيد ( من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) هذا معناه والله أعلم أنه في طاعة الله فيمن صام يوماً يبتغي وجه الله والدار الآخرة فله هذا الأجر العظيم ، وأنه من أسباب بعده من النار والسلامة من دخول النار .

فالصيام (..؟..) للأمان و (..؟..) للقرب وجُنَّة بين العبد وبين النار إذا صامه ابتغاء وجه الله لا رياء ولا سمعة  ولا قصد آخر بل لابتغاء وجه الله فله هذا الأجر العظيم .

قال بعضهم معنى ( في سبيل الله ) أي في الجهاد ولكن ليس بظاهر لأن الجهاد مأمور فيه بالإفطار لأنه أقوى له على الجهاد ، في جهاد الأعداء إذا أفطر يكون أقوى له في الجهاد ، لكن المراد - والله أعلم - أن ( في سبيل الله ) في طاعة الله وابتغاء مرضاته لا رياء ولا سمعة ولا لمقاصد أخرى بل صامه ابتغاء وجه الله كان من أسباب دخول الجنة ، وصوم التطوع فيه خير كثير وفضل كبير .

أما الواجب في رمضان فقط والكفارات كذلك فريضة ، لكن إذا صام يوماً في سبيل الله في طاعة الله نفلاً فله أجر عظيم وهو من أسباب سلامته من النار .

وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

**********

28- عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أرى رأياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان منكم متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) .

29- عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ) .

30- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال : (  من اعتكف معي فليعتكف في العشر الأواخر ، فقد أريت  هذه الليلة ثم أنسيتها ،وقد رأيتني أسجد في ماءٍ وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر ) . قال : فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد ،فأبصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته أثر الماء والطين من  صبح إحدى وعشرين .

-:الشرح:-

هذه الأحاديث الثلاثة كلها تدل على إثبات (..؟..) في العشر الأواخر من رمضان .

وقد دل القرآن على أن ليلة القدر حق وأنها واقعة وقد نزل فيها القرآن الكريم كما قال - عز وجل ) إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر . تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر    (  هذه الليلة العظيمة أنزل الله فيها القرآن في شهر عظيم وهو رمضان كما قال تعالى   ) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   (  دل على أنها في رمضان هذا الكتاب جمعت له أنواع الشرف وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب وأنزل على أشرف نبي وأعظم نبي وهو محمد - عليه الصلاة والسلام -  وأنزل في أفضل ليلة وفي أفضل شهر وهي ليلة القدر في شهر رمضان وفي أفضل مكان وهو مكة المكرمة  واجتمعت له أنواع الشرف المكاني والزماني وكونه على أشرف الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم - عليهم الصلاة والسلام - .

وبين سبحانه في آيات أخرى أنه مبارك قال  ) حم . والكتاب المبين . إنا أنزلناه إليك مبارك . إنا كنا مذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم   ( وهي ليلة القدر ) فيها يفرق كل أمر حكيم  ( وهو ما يكون في السنة تقدر فيها حوادث السنة تفصيلاً من القدر السابق وهذا من آيات الله وحكمته - سبحانه وتعالى - .

كما أن كل جنين يكتب وهو في رحم أمه يكتب له جميع ما يحصل له من حوادث في المستقبل ؛ أعماله وأقواله وشقاوته وسعادته .

وهو يعتبر أيضاً تفصيل من القدر السابق .

وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن الصحابة تواطأت رأياهم في السبع الأواخر ، فقال :  النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فمن كان منكم متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) يعني في آخر  السبع أيام وقد تقع في الأولى أو الثانية أو الثالثة لكن في السبع الأواخر أقرب من غيرها .

وفي حديث عائشة وأبي سعيد - رضي الله عنهما - الدلالة على أنها تقع في العشر الأخيرة من ولكنها في الأوتار آكد إحدى وعشرين ، ثلاث وعشرين ، خمسة وعشرين ، سبعة وعشرين تسع وعشرين ، هذه الأوتار آكد من غيرها .

وقد تقع في غير الأوتار كما في الحديث الآخر : ( في التاسعة تبقى ، السابعة تبقى ، الخامسة تبقى ) إلى أن قال ( في آخر الليل ) فالمشروع للمؤمنين والمؤمنات تحريها في العشر كلها وأن عمر هذه الليالي وأن تعمر هذه الليالي  بالضراعة والدعاء والضراعة إلى الله - سبحانه وتعالى - لفضل هذه العشر ولموافقتها هذه الليلة  المباركة .

وقد ذهب جمهور الأمة إلى أنها مختصة بالعشر وقد صحة بذلك الأحاديث عن رسول الله - صلى  الله عليه وسلم - أنها في العشر  الأواخر من رمضان .

وشذ بعض أهل العلم وقال أنها في السنة كلها ، وقال بعضهم أنها في النصف الأخير يعني يدخل في الخمس الأخيرة من العشر الوسط وهذا قوله ضعيف والصواب أنها في العشر الأخيرة من رمضان كما صحت بذلك الأخبار واستفاضة عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - بأنها في العشر الأواخر من رمضان .

كما أن الصحيح أن أوتارها آكد ، وأن ليلة سبع وعشرين آكد من غيرها .

وفي حديث أبي سعيد هذا الدلالة على أنها وقعت  في ليلة إحدى وعشرين ، وأنه أصبح في صبيحتها يسجد في ماء وطين ، فمطرت السماء تلك الليلة فرأو على وجه النبي - عليه الصلاة والسلام - آثار ماء وطين .

وقد عائشة - رضي الله عنها - يا رسول الله : ( أرأيت إن أصبت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفوا عني ) .

فالسنة الدعاء فيها بالدعوات الطيبة والاجتهاد فيها بأنواع الخير من الصدقات والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن والدعوات الجامعة هذا ما ينبغي في هذه الليالي وأيامها الحرص على أنواع الخير والاجتهاد في أنواع الخير من صلاة وقراءة وذكر ودعاء وصدقة وسائر أنواع الإحسان لأن الصدقة  فيها والذكر فيها مضاعفة قال تعالى  ) ليلة القدر خير من ألف شهر ( ومعنى ذلك أن من العمل فيها والاجتهاد فيها أفضل من العمل في ألف شهر مما سواها وهذا فضل عظيم ، ألف شهر ثمانين شهر وأربعة أشهر عمر إنسان كامل ، فمن أدرك هذه الفضيلة فهو على خير عظيم ، وينبغي للمؤمن الاحتساب في هذه الليلة وهذه العشر والاجتهاد في الخير وسؤال الله التوفيق والإعانة ، وهي لا تكلف شيئاً عشر ليالي ما تكلف ، الاجتهاد فيها ما يكلف كثيراً لأنه في يوم العشر ليست شهر وشهرين ولا سنة عشر ليالي ، الاجتهاد فيها والحرص فيها على أنواع الخير أمر مسير بحمد لله .

وفق الله الجميع وصلى الله على نبينا محمد .

 

 

**********

باب الاعتكاف

31- عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ( يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حنى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ) .

وفي لفظ : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان ، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه ) .

32- عن عائشة - رضي الله عنها - ( أنها كانت ترجل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض ، وهو معتكف في المسجد ، وهي في حجرتها يناولها رأسه ) .

وفي رواية : ( لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ) .

 وفي رواية : أن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( إني كنت لا أدخل البيت إلا للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة ) . الترجيل : تسريح الشعر .

33- عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله : ( إني كنت نذرت نذراً في الجاهلية أن أعتكف ليلة ) وفي رواية : ( يوماً في المسجد الحرام ) .

قال : ( فأوف بنذرك ) ولم يذكر بعض الرواة ( يوماً ) ولا ( ليلة ) .

34- عن صفية بنت حيي - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ، ثم قمت لأنقلب فقام معي - صلى الله عليه وسلم - ليقلبني - وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد - فمر رجلان من الأنصار ؛ فلما رأيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرعا في المشي .

فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( على رسلكما إنها صفية بنت حيي ) فقالا : ( سبحان الله يا رسول الله .

فقال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ،  وإني خفت أن يقذف في قلوبكما شراًّ ( أو شيئاً) ) .

وفي رواية : ( أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد ، في العشر الأواخر من رمضان  فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب ، فقام معها النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها ، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ) ثم ذكره بمعناه .

-:الشرح :-

هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالاعتكاف .

والاعتكاف : مصدر اعتكف يعتكف  إذا لبث في المقام ، إذا لبث في المكان ، يقال له اعتكف في المكان إذا لبث فيه وأقام فيه مدة من الزمن ومن ذلك الآية الكريمة    ) فأتوا على قوم يكفون على أصنام لهم  (  يعني يقيمون عندها ويلبثون عندها للتعبد والتبرك بها وعبادتها من دون الله .

ولاعتكاف الشرعي : هو لزوم المسجد لطاعة الله - عز وجل - وهو يسمى اعتكاف إذا بقي في المسجد بنية التعبد والعبادة يسمي اعتكاف .

وهو سنة ومستحب ، وآكد الأوقات هو رمضان وهو في رمضان آكد من غيره و (..؟..) فيغير رمضان لكن في رمضان أفضل وآكد لفضل الزمان والتأسي بالنبي - عليه الصلاة والسلام - فإنه كان في الغالب يعتكف في رمضان .

وقد اعتكف -صلى الله عليه وسلم - مرة في شوال ترك الاعتكاف في العشر الأواخر واعتكف في شوال .

فالاعتكاف في رمضان هو الأكمل والأفضل ، ولا بأس به في غير رمضان .

في الحديث الأول عن عائشة - رضي الله عنها -  : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ) يعني في كل سنة  ثم اعتكف أزواجه - عليه الصلاة والسلام - من بعده - رضي الله عنهن -  هذا يدل على شرعية الاعتكاف وأنه من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم - وأنه ابقي لم ينسخ ولهذا فعله الصحابة بعده ، فدل ذلك على أنه سنة باقية .

واستقر فعله - صلى الله عليه وسلم - على أن يعتكف في العشر الأخيرة من رمضان ، وكان قد اعتكف العشر الأول ثم اتبعها العشر الوسطى يلتمس ليلة القدر ، ثم قيل له إنها في العشر الأخيرة فاستقر اعتكافه في العشر الأخيرة من رمضان .

وبين - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الليلة - وهي ليلة القدر - تكون في العشر الأخيرة من رمضان .

وفيه أيضاً الدلالة على شرعية اعتكاف النساء كالرجال وأن الاعتكاف مشروع للجميع  للرجال والنساء.

ومحله المساجد كما قال تعالى  ) ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد   ( وإذا اعتكفت المرأة في السجد ، تنام[فيه] ويكون ذلك على وجه ليس فيه فتنة ، في محل مصون ليس فيه فتن .

وفي الحديث الثاني أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ربما أدلالها رأسه ترجله وهو معتكف وهي حائض  فدل ذلك على أن خروج بعض الإنسان من المسجد عند الضرورة إذا خرج رأسه أو خرجت يده أو رجله حتى يخرج كله ، فالمعتكف لا يسمى خارجاً إلا إذا خرج برجليه كله أما إذا مد رأسه أو مد رجله ما يسمى خارجاً .

وفي الدليل على جواز استعمال الحائض وأنه لا بأس أن تستعمل تغسل رأسه  وتصب عليه الماء أو تقرب له متاعاً  كل ذلك لا حرج فيه ، ولهذا لما أمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تحضر له بالخمرة التي في المسجد قالت : ( إني حائض ) قال : ( إن حيضتكي لسيت في يدك ) فأمرها ونهيها و استعمالها في حاجات الزوج لا بأس ، المحرم عليه جماعها، أما كونه يضاجعها أو تمشط رأسه أو تغسل ثيابه أو تقدم له حاجة أو تضاجعه هذا كله لا بأس كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) .

وفيه من الفوائد أنه إذا اعتكف يكون دخول  المعتكف بعد صلاة الفجر ، هذا إذا أراد الاعتكاف دخل معتكفه بعد صلاة الفجر كما قالت عائشة - رضي الله عنها - ، وهذا إذا كان الابتداء بالنهار أما إذا ، وأما إذا أراد الابتداء من الليل يبتدأ من  الليل ، فإذا أراد أن يبتدأ من الحادي والعشرين أومن الثاني والعشرين من النهار يبدأ بعد صلاة الفجر .

وإذا أراد الليل يبدأ من الليل من غروب الشمس يصلي المغرب ويبقى في المسجد .

وهو سنة ليس بلازم إلا إذا نذره نذراً وجب عليه وإلا فهو سنة له أن يعتكف وله أن يدع .

ولو نوى عشراً ثم أراد أن يترك منها بعضها فلا حرج عليه إذا كان ليس بناذر ، إذا كان باختياره ، أما إذا نذره وجب عليه الوفاء بالنذر لأنه طاعة .

وفيه من الفوائد أن الحائض طاهرة عرقها طاهر وبدنها طاهر إلا ما أصابه من دم ، ولهذا كانت - رضي الله عنها - تغسل رأسه - صلى الله عليه وسلم - وترجله وهي حائض .

وإذا أصاب شيء من دمها ثوباً أو بدناً يغسل محل الإصابة بس ، أما بقية الثوب وبقية البدن كله طاهر .

وفيه أن المعتكف يشتغل بالاعتكاف ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحوه وإلا يبقى في معتكفه بقية الليل والنهار هذا هو الأفضل له ، يلزم المسجد إلا لحاجة الإنسان يقضي حاجته بول غائط وضوء غسل أكل شرب إذا كان ما تيسر له أن يأتي به ، أما إذا تيسر أن يأتي به في المسجد فهو الأفضل حتى يقل  خروجه ، حتى قالت عائشة - رضي الله عنها - : ( حتى أنه يكون المريض في البيت فلا تسأله إلا وهي مارة ) حرصاً على عودها إلى المعتكف .

فإذا سأل عن المريض في الطريق أو في البيت ما يضر ، لكن الأفضل أنه لا يعود مريضاً ولا يزور الناس ، يبقى في المعتكف يخلوا بربه ؛ لأن المقصود بالاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق والاتصال بالكبير الخالق ، والمقصود من الاعتكاف التفرغ للعبادة والاشتغال بالعبادة عن الاشتغال بالناس وزياراتهم والاجتماع بهم .

وفي حديث عمر - رضي الله عنه - الدلالة على أن الكافر إذا نذر لفعل عبادة يوفي بها بعد الإسلام .

إذا نذر أن يصوم أو يصلي أو يعتكف . ثم أسلم يوفي بنذره .

ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر - رضي الله عنه - أن يوفي بنذره وقد نذر أن ( يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام ) قال : له : ( أوف بنذرك ) لما أسلم .

فإذا قال في حال كفره : لله علي أن أعتكف كذا أو أتصدق بكذا أو أصلي كذا ، ثم أسلم يؤمر بالوفاء بنذره لأنها عبادة وقد نذرها فينبغي أن يوفي بها طاعة لله - سبحانه وتعالى - وتعظيماً له ورغبة فيما عنده من الأجر .

وحديث صفية - رضي الله عنها - يدل على أنه لا بأس للمرأة أن تزور زوجها وهو معتكف ولا بأس أن يزوره إخوانه وأصدقائه لا حرج في ذلك  ، ويتحدثون عنده لا بأس في ذلك .

ولهذا زارته صفية وتحدثت عنده  فلما قامت قام معها ( ليقلبها ) يعني ليردها إلى بيتها في المسجد ، قام معها في السجد حتى وصل إلى باب المسجد هذا من حسن خلقه ومن تواضعه ومن معاشرته الطيبة لأهله قام معها إكراما لها وإيناساً لها، يمشي معها في المسجد حتى أوصلها الباب وهذا يدل على حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - وتواضعه وعنايته بأهله ومعاشرته لهن بالمعروف .

فلما كنا عند الباب مر رجلان من الأنصار فرأياه فأسرعا فقال : ( على رسلكما ) يعني مهلاً ( إنها صفية بنت حيي ) خاف أن يظنا سوءاً فقالا : ( سبحان الله يا سول الله ) قال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً ) أو قال : ( شيئاً ) .يعني خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان أن هذه امرأة غير شرعية فبين  - عليه الصلاة والسلام - لهما أنها زوجته حتى لا يظنا به سوءاً - عليه الصلاة والسلام - فيهلكا ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - ليس مظنة سوء قد عصمه الله من كبائر الذنوب وعصمه الله في بلاغه للناس ، بينما الخلاف في الصغائر هل تقع من الأنبياء أم لا .

المقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهما هذا الكلام ليبتعدا عن سوء الظن وليعلما  الحقيقة  .

وفي هذا من الفوائد أن الإنسان إذا كان في موقف قد يتهم فيه يبين للمار يقول : تراي وقفت هنا من أجل كذا وكذا حتى لا يظن به السوء .

إذا وقف العالم أو الرجل الصالح في مكان ما هو مناسب ومر عليه بعض إخوانه يبن لهم العلة حتى لا يتهموه بأنه انحرف عن الطريق السوي .

وفيه أن الشيطان له صلة بالإنسان شديدة وعظيمة وخفية وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم .

الشيطان أنواع ولهم أجسام ولهم أرواح ، تليق بهم لا يعلم كيفتها إلا هو - سبحانه وتعالى - .

وأن يصل إلى أن يجري من ابن آدم مجرى الدم هذا شيء عظيم يدل على لطافة شديدة وعلى أنه عنده من اللطافة والصغر ما يجعله يجري من ابن آدم مجرى الدم هذا نوع من الشياطين .

ثم الشيطان له (لمة) بالإنسان كما أن الملك له لمة بالإنسان ، كل إنسان معه قرين معه شيطان يدعوه إلى الشر ويأمره بالشر ، كما أن معه ملك يدعوه إلى الخير ويأمره بالخير .

فالواجب الحذر من هذا الشيطان الذي هو ملازم لك وهو قرينك .

والحذر من بقية الشياطين التي قد تهجم عليك وتوسوس عليك فيما يضرك وفيما يسخط الله عليك يجب أن تحذر .

فكل (لمة) وهو ما يخطر في البال من شيء من السوء فهو من الشيطان .

وكل ما يخطر في البال ويلم بك من أمر طيب فهو من لمات الملك .

وفق الله الجميع . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



بحث عن بحث