الوقفة الثالثة عشرة

المرأة المسلمة والحدث

لقد خاب دعاة الباطل في الغرب وخسروا، وكذلك أزلامهم من المنافقين في العالم الإسلامي، حين أرادوا القدح في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الطعن في رسالته، من خلال المرأة واستخدامها أداة لهذا القدح والطعن، حيث يرسلون الحسرات الكاذبة على حال هذه المرأة التي أُهمل دورها في الحياة، وحُرمتْ من حقوقها الاجتماعية والثقافية والسياسية، حسب زعمهم، وازدادت وتيرة هذه الدعاوى في الفترة الأخيرة، وصار الكثيرون منهم يصطادون في الماء العكر، مستغلين الفرصة من الهجمات الغربية المتلاحقة على الأمة المسلمة.

وحيث أن هذه الوقفة لا تسمح الإسهاب في هذا الموضوع، فإنه يمكن دحض هذا الافتراء ورد هذا الباطل من خلال عرض ثلاثة نماذج من النسوة اللاتي تخرجن من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهن أمهات المؤمنين: خديجة وعائشة وأم سلمة، رضي الله عنهن جميعًا:

أولاً: المرأة الداعية:

وهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، التي ضربت أروع مثال للزوجة الصالحة، والمرأة الداعية، في مواقفها العظيمة مع زوجها عليه الصلاة والسلام، التي قال عنها: (ما أبدلني الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء).

فهي التي واست الرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أحس بالخوف وخشي على نفسه، فقالت تلك الكلمات التي بقيت وضّاءة إلى هذا اليوم: (كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).

وليس هذا فحسب، بل إن عملها رضي الله عنها كان يسبق قولها، فقد كانت سندًا متينًا للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته منذ البعثة، رغم ثرائها ومكانتها الاجتماعية بين الناس، إلا أن هذا لم يمنعها أن تضحي بذلك كله وتقف مع زوجها وتشاركه المرارة وتذوق معه العذاب في سبيل دعوته، فقد كانت آخر معاناة لها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين ثلاث سنوات، حتى أدركتها المنية في تلك الفترة، فرضي الله عنها وأرضاها، وأبدلها الله تعالى خيرًا من ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).

ثانيًا: المرأة العالمة:

وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كانت مرجعًا علميًا للصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما).

وقد روت رضي الله عنها مئات الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها حديث بدء الوحي الذي فيه الحث على العلم، وهذا يعني أن المرأة المسلمة في الصدر الأول من الإسلام لم تكن مغيبة عن ميادين العلم وتداوله وتدارسه.

ثالثًا: المرأة المستشارة:

وتجلت هذه المشاورة في أسمى صورها، في الرأي الذي أشارت إليه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقوم قوموا فانحروا، ثم احلقوا. فلم يقم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت له أم سلمة: يا نبي الله، أتحبّ ذلك! اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك؛ وتدعو حالقك فيحلقك؛ فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم كلمة حتى فعل ذلك؛ نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلمّا رأوه ذلك قاموا فنحروا؛ وجعل بعضهم يحلق بعضًا؛ حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا.

فأنعِمْ بها خير مستشارة لخير زوج وفي خير بيت، لأنها أثلجت برأيها صدر النبي صلى الله عليه وسلم وأذهبت عنه الهمّ والحَزن، كما أعادت الفرحة بين الصحابة وأزالت ما كان فيهم من قلق واضطراب.

* * *

ومن هنا فالمرأة المسلمة لم تكن غائبة عن الحدث فهي في خضمه، ويجب أن تعيشه لكي تقوم بدورها الحقيقي تجاهه، ومن خلال هذا العرض اليسير عن تلك النماذج القدوة أرى أن مما يندرج تحت مسؤوليتها في هذا الحدث ما يلي:

1- إذكاء روح القدوة للنبي صلى الله عليه وسلم في نفسها، فتدرس النماذج القدوات من النساء التي عاشت معه صلى الله عليه وسلم لتتخذهن قدوة.

2- تشجيع زوجها أو أبيها أو أخيها في جميع البرامج المفيدة تجاه هذا الحدث.

3- تربية أبنائها وبناتها على قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وشرحها لهم على شكل دروس ومسابقات.

4- تعليم أبنائها وبناتها بالواجب عليهم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم من حيث محبته، والاقتداء به، والعمل بما جاء به عليه الصلاة والسلام.

5- في الميادين: المدرسة، والزيارات وغيرها تعمل البرامج المناسبة لهذا الحدث.



بحث عن بحث