الوقفة الثامنة

المنافقون ومواقفهم

في كل حدث عظيم يظهر المنافقون بمواقف مضادة للأمة بكاملها، وهذا الحدث كغيره من الأحداث الذي يجب التذكير فيه بمواقف بعض المتخاذلين والمثبطين الذين يحاولون مجاملة تلك الدولة، وينقدون سياسة العلماء والدعاة والمفكرين في موقفهم تجاه سبّ النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الفئات موجودة منذ الصدر الأول للإسلام، وتؤدي الدور نفسه الذي كان يؤديه المتخاذلون والمنافقون في تلك الفترة، حيث لا يهمهم التنازل عن ثوابت الأمة وقيمها من أجل إرضاء أسيادهم في الشرق والغرب، والله تعالى قد حذّر المؤمنين من هذا المنحى الخطير والالتفات إليه، لأنه جل وعلا أعلم بمعادن تلك الأقوام وما تخفيه صدورهم، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون).

حيث يخرج بين الفينة والأخرى بعض هؤلاء القوم، فيملؤون صفحات الصحف بكتاباتهم، ويعجون الفضائيات ضجيجًا بصرخاتهم، ويتحركون من ندوة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، من أجل أن يقدموا لأعداء الأمة القرابين والبراهين على إخلاصهم ووفائهم لهم، وقد ظهرت مواقفهم واضحة أمام هذا الحدث الكبير الذي استهزئ فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تخرج من أفواههم كلمة استنكار أو تنديد، ولم يظهر لهم موقف متعاطف مع المسلمين ومشاعرهم، بل ظهر الواحد تلو الآخر ليذم المقاطعة الاقتصادية ويلصق التهم بالمسلمين ويصفهم بالجهل والتخلف وغيره، وأن هذا من مخالفة العولمة، ولا يتسق معها.

كم أوسعونا إشاعات وبهتانا
يؤذون أهل الهدى بغيًا ونكرانا
أضحى النفاق لهم وَسْمًا وعنوانا
 
يمسي فتاها غريب الدار حيرانا
طريقنا، واحبنا بالحق سلطانا

 

 

نشكو إلى الله أحزابًا مضللةً
ما زال فينا ألوف من أبي لهب
ما زال لابن سلول شيعةٌ كثروا
فما لدور الهدى تبقى مُغلَّقةً؟
يا رب إنا ظُلمنا فانتصر، وأنر

 

 

هذا وقد يخرج بعض من يحمل أفكار هذا الفريق بصورة مقبولة من الناس، فيتحدث باسم الإسلام ويستشهد بنصوصه أحيانًا ولكن في غير مواضعها، من أجل أن يبين للناس أنه ينتمي إلى هذه الأمة ويغار عليها، ولكنه يخفي تحت هذا الغطاء سمومًا قاتلة للأمة وقيمها وثوابتها، يقول الله تعالى: (وإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

فالواجب على جميع أبناء الأمة وشرائحها المختلفة، من المسؤولين وأولياء الأمور والمربين، والمؤسسات التربوية والتعليمية، والمؤسسات الإعلامية المتاحة أن يكونوا على قدر المسؤولية أمام هذا التيار الخطير الذي يهدد عقيدة الأمة وأخلاقها وأمنها من الداخل.

* * *

قد يكون الخطر واضحًا من العدو، فهو قد أعلن عداوته أما المنافق الذي يلبس لباس الإيمان، ويتكلم بألسنة المؤمنين وبلغتهم فخطره أشد، وشبهته أقوى، لذا يجب على الأمة أن تعرف هؤلاء وصفاتهم.

وقد ذكر الله تعالى شيئًا من ذلك:

1- ادّعاء الإصلاح، قال تعالى عنهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ).

2- تمجيد الأعداء وجعلهم قدوة لهم.

3- التقليل من شأن أمة الإسلام.

4- ثقل العبادة عليهم، قال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر)، نعم إنهم يصلون ولكنهم يبطنون ما لا يظهرون.

5- الغمز والهمز واللمز في مجالسهم وصحفهم ومنتدياتهم بالمؤمنين، وهذا ما يغلب على كثير من مجالسهم كما كان أسلافهم عندما قال سيدهم: (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ).

وقال جملة منهم: (ما رأينا مثل قرأئنا هؤلاء يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته أكبر بطونًا وأطول ألسنًا وأجبن عند اللقاء).

6- الكذب والظهور بوجهين: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)، وغيرها مما لا يخفى.

وهذا الحدث أبرز عددًا منهم فاحت رائحتهم وزكمت أنوف المؤمنين فقال قائلهم: ما هذه الغوغائية؟ وآخر: إن المقاطعة الاقتصادية أسلوب متخلف، وثالث: إن هذا يخالف العولمة.. وغيرها. تلك الأقوال المشينة.

فمتى يعي هؤلاء؟ وماذا يريدون من أمتهم؟ وأين مشروعهم الإصلاحي المدعى المتكامل؟؟

وليتأمل القارئ معي هنا: إن كل ما قدموه مما يعتبرونه إصلاحًا ما هو إلا هدم لمكتسبات الأمة في جميع أوطانها. فمن أهم معالم مشروعهم:

1- إخراج المرأة في جميع الميادين بلا قيد ولا شرط، والسؤال: إذا خرجت هل نهضت الأمة؟ وماذا يريدونها أن تصل؟

2- جعل الدين صلاة فردية لمن أراد ولا يحجر على أحد، دون أن يدخل شؤون الحياة.

3- التراث كله بما فيه السنة النبوية قابلة للأخذ والرد وتحكم في عقولهم.

والسؤال: أي عقل يريدون أن تتحاكم إليه السنة النبوية التي تحكم شؤون الحياة كلها؟

أما القرآن فمقدس ولكن لكل إنسان أن يفهمه بالطريقة التي يريدها دون الرجوع إلى قواعد وضوابط.

4- القدح المكشوف وغير المؤدب بالعلم الشرعي والعلماء تصريحًا وتلميحًا بحسب مقتضى المرحلة. ولا يستغرب منهم ذلك، وقد استهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يتحرك فيهم ساكن؛ بل سخروا ممن تحرك، مع الزعم الكاذب بحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم.

وغير ذلك من أفكارهم التي أبرزها هذا الحدث. فهل يوقظ هذا الحدث كل مؤمن ومسؤول لمعرفتهم؟!



بحث عن بحث