الوقفة السابعة

نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

فمن أجل تلك المكانة الرفيعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أجل أن الله تعالى قرن بين طاعته وطاعة هذا الرسول، ومن أجل أنه الهادي إلى النجاة والفلاح والمنذر من العذاب والعقاب، كان حقًا على المؤمنين نصر هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، يقول تبارك وتعالى: (إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا. لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً)؛ بل ذلك واجب شرعي على الأفراد والمجتمعات والدول.

*     *      *

ونصرة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون في كل زمان وكل مكان، وهو نصر لدين الله تعالى ونصر للمؤمنين كافة، وهي من أهم الواجبات التي ينبغي القيام بها، لأن التقاعس عنها يعرض الأمة لغضب الله تعالى وسخطه، ويعرضها للضعف والهوان والانهيار أمام أعدائها، ومن ينصر الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى سينصره لا محاله لأن من يتعرض له بسوء أو إيذاء لعنه الله وسخط عليه، يقول تبارك وتعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين. كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز).

ويقول تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا)، ويقول في موضع آخر: (إن الذين يحادون الله ورسوله كُبتوا كما كُبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بيِّنات وللكافرين مهين).

ولنتذكر دائمًا قول الصحابة رضي الله عنهم وهم ينشدون:

نحن الذين بايعوا محمدا      على الإسلام ما حيينا أبدا

ومن هنا فإنه يجب على الأمة قاطبة وعلى المستويات المختلفة أن تنصر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مما تعرض من إساءة من بعض الدول الكافرة، بل ليس لهذا الحدث فحسب وإنما في كل حين وآن، وبكل الوسائل المتاحة وأن تقف يدًا واحدًا وكلمة واحدة في وجه هذا التمادي نحو أهم رمز من رموز هذه الأمة، وتتلخص وسائل النصرة المتاحة في الوسائل الآتية:

 

الوسيلة الأولى: المقاطعة الاقتصادية:

وهي مقاطعة دولة الدانمرك مقاطعة اقتصادية شاملة، وهي مسؤولية التجار الكبار ومسؤولية عامة الأمة، وهذه المقاطعة ستؤثر عليها تأثيرًا كبيرًا، وستربك أحوالها الاقتصادية وحساباتها المالية، وستزيد من البطالة عندها، وستدخلها في مواجهة داخلية مع شعبها لأنها لم تقف موقفًا قويًا من هذه الصحيفة، وينبغي هنا الإشارة إلى ما قام به كثير من التجار الكبار في البلاد الإسلامية من تصفية متاجرهم من منتوجات هذه الدولة، وتوقيف استيرادها، وهو موقف مشرف ولهم الأجر في ذلك إن شاء الله تعالى.

وهذه أعني ما سمي بالمقاطعة الاقتصادية الشعبية من عدم التعامل مع منتجات تلك الدولة، مما يقتضيه التعامل في هذا الوقت إذ أن للاقتصاد تأثيرًا بالغًا. وقد التبس على بعض الناس جواز ذلك من الناحية الشرعية، وفهموا أن هذا تحريم للتعامل مع اليهود والنصارى، ولا شك أن هذا لبس في المفهوم، فلا تعني المقاطعة الاقتصادية تحريم الفعل ذاته، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم تعامل مع اليهود والمشركين في مكة والمدينة، ولكن هذا أسلوب للتعامل الرادع عن هذه الأفعال المشينة منهم ومن غيرهم، بالإضافة إلى أنه بيان لقدرة المسلمين أفرادًا وشعوبًا أن يعاملوا الآخرين بما يؤدي إلى احترام معتقداتهم ودينهم.

وقد فرّق البعض بين عمل الشعوب وعمل الحكومات، ولا شك أن عمل الحكومات المسلمة مختلف مع ما تعمله الشعوب، حيث إن الحكومات ملتزمة بعقود ومواثيق، وما يقدره ولي الأمر في دراساته المصلحية من منطلق هذه العقود وغيرها، وما تمليه المصالح العامة هو الذي يسعهم غير أنه لا يكون مخالفًا لأحكام الشرع.

*     *      *

ومما يجدر ذكره أن على العلماء والعقلاء من أصحاب المال والمفكرين أن يجتهدوا في تحديد أمد المقاطعة وأهدافها، ومتى تنتهي ومتى لا تنتهي؟ حتى لا تضمحل وتذهب مكتسباتها.

*     *      *

الوسيلة الثانية: المقاطعة السياسية والدبلوماسية:

وهي مسؤولية القادة وأصحاب القرار السياسي، مثل استدعاء السفراء من هذه الدولة وقطع جميع الاتفاقيات والمواثيق معهم.

مع الحذر من توسيع دائرة المقاطعة، وتوزيع الضغط على غيرها من الدول، حتى تؤتي هذه المقاطعة ثمارها بقوة، وتردع هذه الدولة الماردة وتصبح عبرة لأخواتها التي تشاطرها في مواقفها.

كما ينبغي ألا تكون هذه المقاطعة زوبعة آنية سرعان ما تتلاشى، بل ينبغي أن تكون مفتوحة وإلى أجل غير مسمى، وأن تكون محددة الأهداف بما تمليها مصلحة المسلمين.

*     *      *

الوسيلة الثالثة: تكثيف الجهود الدعوية:

إن مثل هذه الأحداث وغيرها، من التي تعادي دين الله تعالى ومقدساته ورموزه، تزيد من شغف الشعوب إلى معرفة هذا الدين ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه فرصة لتكثيف الجهود الدعوية وتبصير هذه الشعوب بحقيقة هذا الدين، لا سيما شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرته، ورسالته، من خلال وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة، وباللغات المختلفة، فربَّ ضرة نافعة، والمؤمن كيس فطن، يجب أن يستغل كل الأحوال والظروف لنشر دعوته، كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام حين كان يدعوا وهو في ظلمات السجن.

وقد ظهرت بوادر مباركة في هذا الأمر المهم، الذي هو من أهم ثمار هذه الحادثة التي أصبحت بابًا نرجوا ألا يوصد لمزيد التعريف بالإسلام ورسوله، وأن تنشط لذلك المكاتب الدعوية، والجمعيات الخيرية، والشخصيات العلمية والفكرية، ودور الترجمة، واللجان والمراكز الإسلامية.

ولعلي هنا أخص المراكز الإسلامية في الغرب والشرق لتكثف تواصلها فيما يناسب كل بلد بعينه، وأن يتواصلوا مع إخوانهم العلماء والدعاة في البلدان الإسلامية لتتواصل الجهود، فلعلّ هذه المحنة أن تنقلب منحة.

*     *      *

الوسيلة الرابعة: الجهود الاجتماعية والتربوية:

يقال: "قد تصح الأجسام بالعلل"، فلا شك أن هذا الحدث من حيث هو أمر محزن، ولكنه كالمرض قد يوقظ بعض المعاني الخيّرة في نفسية المريض، ليصح جسمه وتسمو روحه، ولذلك نأمل أن يكون الحدث موقظًا للأمة المسلمة في تجديد التعرف على رسولها عليه الصلاة والسلام، وعلى رسالته، وتجديد التمسك بها، والدعوة إليها، ونشرها، والدفاع عنها، ومما يقترح في ذلك من الجهود التربوية والاجتماعية ما يلي:

1- إعادة كتابة السيرة بما يناسب جميع الفئات العمرية كبارًا وصغارًا.

2- عمل ندوات في المدارس والمساجد لمختلف موضوعات السيرة، وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: دورة عن شمائله وأخلاقه، دورة في هديه في العبادة، دورة في أسلوب دعوته، دورة في تعامله مع غير المسلمين، دورة في تعامله في بيته.

3- عمل مسابقات في السيرة متنوعة: قصيرة وطويلة على طريقة الأسئلة أو الأبحاث ونحوها.

4- عمل دروس منزلية عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

5- قصائد تحكي هديه عليه الصلاة والسلام.

6- تأليف كتب ونشرات فيما يجب تجاه النبي صلى الله عليه وسلم.

7- خطب الجمعة في شيء من سيرته، والتحذير من البدع والمخالفات والمنهيات.

8- عمل ملصقات تحكي جملاً من أخلاقه عليه الصلاة والسلام.

وغير ذلك مما يستطاع من الوسائل المشروعة التي تقلب الحدث إلى أن يستفاد منه إيجابيًا.



بحث عن بحث