الوقفة السادسة

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور العقدية التي فرضها الله تعالى عليها، حيث ربط بين الإيمان به ومحبة الرسول عليه الصلاة والسلام واتباعِه، وأنه يجب أن تكون هذه المحبة فوق كل المصالح والأهواء والأنفس والأولاد والأموال، يقول تبارك وتعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).

ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أحمعين).

ويؤكد عليه الصلاة والسلام هذا الأمر في حديث آخر: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

 

يسري مع الدم يحيي نبض شرياني
وهو السلام على روحي ووجداني
فأذرفُ الدمعَ من شوق وتحنان
تسبِّح الله في سري وإعلاني
ما دام للوُرق سجع فوق أغصان
وأهل بيتي وأحبابي وخلاني
ونوره في العُلا عامٌّ ببرهان
أعزُّ وهو الهدى من كل سلطان
وحاز منزلة لم يرقَها دانِ
عاش الحياة ذليل القدر والشانِ
مهما العِدا حاولوا كفرًا بإمعان
برئت من إفكهم من كل بهتانِ

 

حبي نبي الهدى ديني وإيماني
يسمو بنفسي على الدنيا وزخرفها
وتخشع النفس في محراب سيرته
هذي الجوارح بالتسبيح لاهجةً
وبالصلاة على المختار من مضر
هو المقدم في نفسي على نفسي
وكيف لا تعتلي قلبي محبته
هو السراج المنير في الورى أبدًا
هو الأعزّ الذي رقا السماء سنى
هو الأعزّ ومن يشنأ أياديَه
يا أيها النور ما لا ينطفي أبدًا
نفسي الفداءُ لعرض أنت صاحبه

*     *      *

وتتجلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم في اتباعه والعمل بما جاء به من كتاب الله تعالى وسنته، كما يعلو هذا الحب في محبة شخصه عليه الصلاة والسلام من القلب والدفاع عنه بكل غال ونفيس، يقول تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم.قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين).

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أول من حققوا هذا الحب على الأرض، والأحداث شاهدة على ذلك، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يحرسه من جميع الجهات أثناء الهجرة إلى المدينة، وذك أنس بن النضر رضي الله عنه يتلقى الطعنات والضربات في غزوة أحد حتى لا يصيبه أذى عليه الصلاة والسلام، وكذلك أم عمارة رضي الله عنها التي كانت تحمي النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الأطراف.

ولعل الموقف العظيم الذي سجله الصحابي الجليل  زيد بن الدثنة حين أُسر وقُدم ليُقتل، قال له أبو سفيان: أنشدك الله يا زيد، أتحبّ أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك! قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا كحبّ أصحاب محمد محمدً.

وكيف لا يصل الحب إلى هذا المستوى وهو النبي الهادي الذي أرسل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهو النبي الرحيم الذي أحبّ أصحابه وأمته وجعل من نفسه وليًا على كل فرد منهم بقوله: (أنا أولىَ بكل مؤمن من نفسه‏)‏.

ويقول الله تعالى عن هذا الحب والرحمة والحرص بقوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

*     *      *

ويمكن أن أذكر هنا أهم النقاط التي تنبني على حبه عليه الصلاة والسلام، حتى لا يكون حبنا له صلى الله عليه وسلم ادعاءً قوليًا، أو حركة عاطفية غير متوازنة. نحبه كما أسلفت أمر عقدي يجب أن يستقر في القلوب، ويترجم في الواقع إلى سلوك عملي تقوم به الجوارح:

1-  الإيمان به: بأنه رسول من عند الله تعالى إلى الناس كافة، جاء بدعوة التوحيد بشيرًا ونذيرًا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

2- محبته صلى الله عليه وسلم محبة تفوق محبتنا لأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا وأزواجنا، وكل ما نملك، لقوله صلى الله عليه وسلم:  "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أحمعين"، بحيث تكون هذه المحبة واقعًا عمليًا تظهر آثارها في السلوك والتعامل والأخلاق.

3-  طاعته فيما أمر واجتناب فيما نهى عنه وزجر: لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، وقوله سبحانه: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

4-  الصلاة والسلام عليه: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

والصلاة عليه واجبة أثناء الصلاة، وكذلك عند ذكره، ومندوبة في مواضع كثيرة في الصباح والمساء، وفي كل مجلس، وبعد الأذان ويستحب الإكثار منها يوم الجمعة، يقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشرًا)، ويقول في حديث آخر: "البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ".

5-  الرضا بحكمه صلى الله عليه وسلم وبشرعه والوقوف عند حدود شريعته، وتحكيم سنته، والتحاكم إليها في جميع الأحوال لقوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).

6-  نشر سنته بين الناس، والذبّ عنها لقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، لا سيما في هذا العصر الذي يتعرض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته لأشرس حملات التشويه والتزوير.

7- محبة أصحابه: وهذه من مستلزمات حقوقه عليه الصلاة والسلام على أمته: وذلك بتوقيرهم والترضي عنهم، وعدم الإساءة إليهم أو الانتقاص من شأنهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، ثم إن الانتقاص من شأن الصحابة يعني الطعن في الدين والتشكيك فيه، لأن الصحابة هم الذين نشروا هذا الدين، ونقّلوه لنا بالصورة التي عليه الآن.



بحث عن بحث