الوقفة الثانية

من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن الحديث عن شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومناقبه وأخلاقه وسيرته ودعوته لا يمكن الإحاطة به في هذه الوقفات القصيرة،  فقد كتب المؤرخون وعلماء السير والمحدثون والمفسرون وعلماء السير والمؤرخون عنه صلى الله عليه وسلم الكثير من الكتب والمصنفات والمؤلفات، ولم يتركوا شيئًا من حياته الخاصة والعامة إلا وتطرقوا إليها؛ بل لم تحفظ سيرة عظيم من العظماء، ونبي من الأنبياء، كما حفظت سيرته عليه الصلاة والسلام.

هذا وقد أشار الله تعالى في كتابه المبين إلى شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام في مواطن كثيرة ومناسبات متعددة، نشير إلى بعضها في النقاط الآتية:

أن الله تعالى بعثه رحمة للناس كافة: لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

أنه تبارك وتعالى بعثه بالدين الحق لهداية الناس: لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

بعثه الله تعالى قدوة وأسوة للناس، في الأفعال والأقوال: قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا).

وصفه الله تعالى بالرسول، بقوله: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ).

كما ناداه جل وعلا بالنبوة، في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

وشرفه الله تعالى بالعبودية، في قوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).

- عصمه الله تعالى من الناس، حين قال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).

  - أرسله الله تعالى من بين ظهرانيهم وهو المعروف بالصدق والأمانة والاستقامة قبل البعثة، يقول تبارك وتعالى: (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ويقول في موضع آخر: (هو الذين بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

- جعله الله آخر الرسل وخاتمهم، وجعل رسالته خاتمة الرسالات، لقوله تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)

*     *     *

والرسول صلى الله عليه وسلم:

 – هو من زكاه ربه وأثنى عليه ومدحه بقسم عظيم في سورة النجم، بقوله: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)، وجواب القسم تزكية عقله: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)، كما زكى لسانه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى)، وزكى شرعه: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، وزكى قلبه: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)، وزكى بصره: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى).

كما زكّاه الله تعالى كله، بمعاملاته وأخلاقه وشمائله، قال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، وقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

- كما أنه جلّ وعلا كرّمه بأن جعله أفضل رسله إلى الناس، وخصّه بمزايا وصفات لم يأتيها أحدًا قبله من الرسل، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة).

*     *     *

ورسول الله صلى الله عليه وسلم:

9- هو من أمر الله تعالى المؤمنين بطاعته واتباعه، وعلق على ذلك محبته جل وعلا والفلاح والنجاة، بقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ)، وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

10- ونهى عن مخالفته، قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

 

*     *     *

رسول الله صلى الله عليه وسلم:

-هو الذي شرح الله صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره، يقول تبارك وتعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).

-  هو الذي لم يتركه ربه أو يهجره، بل وجده ضالاً فهداه، وفقيرًا فأغناه، وخيَّره بين الدنيا ولقائه فاختار لقاء مولاه، وقال: "بالرفيق الأعلى".

قال تعالى: (والضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى).

- وهو الذي صلى عليه الله تعالى وصلت عليه الملائكة، وأمر الناس بالصلاة عليه، يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

- هو الذي أوذي في جسده الطاهر الشريف، فوضع عليه سلا الجزور، ورمي بالحجارة، وحوصر في شعب ثلاث سنين، وكسرت رباعيته وشج رأسه عليه الصلاة والسلام، كما أوذي في عرضه، كل ذلك من أجل الدعوة إلى الله وهداية الناس، وقد عبّر الله تعالى في كتابه عن هذه الألوان المختلفة من الإيذاء بقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).

- مع ذلك كله فهو عليه الصلاة والسلام بشر من البشر يأكل ويشرب، وينكح ويعاشر، ويبيع ويشتري، ويضحك ويحزن، ويمرض ويصح، ويمشي بين الناس ويكره أن يميز بينهم، يقول الله تعالى على لسان المشركين: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً).

*     *     *

والرسول صلى الله عليه وسلم:

- هو الذي أرسى قواعد اجتماعية عالية داخل الأسرة الواحدة بين الزوج والزوجة والأولاد والبنات، حين يقول: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله).

- هو الذي علّم الإنسانية مكانة المرأة وقيمتها، حين أوصى الصحابة بقوله: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).

- هو القدوة في تحقيق مفهوم العدل بين الزوجات، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه).

- هو الذي ضرب أروع المثل في التعامل الراقي مع أهل بيته، حين قال لأحد الصحابة: (وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك).

- هو الذي أوصى بالإناث خيرًا، بقوله: (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة)، وقوله: (استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا".

- ورسول الله صلى عليه وسلم هو الذي ضرب أروع الأمثلة في التعامل مع أصحابه، ورفع مكانتهم قال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، مؤكدًا ترضي الله عنهم بقوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).

- وضرب أروع الأمثلة في التعامل مع غير المسلمين من المشركين الذين آذوه في مكة، وحبسوه، واتهموه، وطردوه، فقال عام الفتح: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

ومع اليهود الذين آذوه وسمَّوه، وحاولوا قتله مرارًا، ونقضوا العهود، والمواثيق، واحتصنوا المنافقين، ومع ذلك يزور مريضهم، ويعطيهم حقوقهم، ويعاملهم المعاملة الحسنة، وتكاثرت النصوص النبوية والأحوال الواقعية في هذا الأصل العظيم، بل لم يسب آلهة تعبد، ولا نبيًا من أنبيائهم، كيف ذلك والإيمان بالأنبياء والرسل من أصول الدين وقواعده، ولا يصح إيمان مؤمن إلا بذلك.



بحث عن بحث