الأعمال التي يستحب عملها في يوم عرفة (5)

 

 

وبعد فهنا مسائل متعلقة بالدعاء وتشكل على بعض المسلمين منها:

 

الأولى: هل اشتغال الحاج بغير الدعاء والذكر مما هو جائز مباح؟

 

     نعم وربما يكون مطلوبا إذا كان وسيلة لنشاط، والإنسان بشر يلحقه الملل ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون)([1]) فإذا لحق الإنسان ملل فلا بأس أن يستريح إما بنوم أو قراءة قرآن أو بمذاكرة مع إخوانه، أو بمدارسة القرآن، أو في أحاديث تتعلق بالرحمة، والرجاء، والبعث والنشور، وأحوال الآخرة حتى يلين ويرق قلبه، والإنسان طبيب نفسه في هذا المكان لكن ينبغي أن يغتنم آخر النهار بالدعاء ويتفرغ له تفرغا كاملا.([2])

 

الثانية: هل الأفضل أن يدعو كل واحد لنفسه أو يُجعل إمام يدعو للناس؟

 

   الأصل أن كل إنسان يدعو لنفسه، إلا إذا شعر الإنسان أن الناس يلتفون حوله ويؤمنون وربما يكون بعضهم قريب الخشوع فيخشع ويبكي، فهذا لا بأس به فيما يظهر لي، والدليل انه لم يظهر منع ذلك، وهذا يحصل أحيانا من الصحابة يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، ولكن في هذا الموقف لا أعلم أنه دعا بالناس ولهذا نقول الأفضل أن يدعو كل إنسان لنفسه لاسيما إن كان يخشى أن يكون في الدعاء بصحبة فتح للتلبية الجماعية ونحوها.([3])

 

 

الثالثة: هل لعرفة دعاء مخصوص؟

   ليس لعرفة دعاء مخصوص، بل على المسلم الحاج أن يتخير من الدعاء ما ورد في الكتاب والسنة فإن هذه الأدعية أجمع للخير وأحرى للإجابة، وأبعد عن الاعتداء في الدعاء قال شيخ الإسلام:"ولم يعين النبي صلى الله عليه وسلم لعرفة دعاء ولا ذكرا بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية..."[4] قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: والدعاء الوارد هو الذي ينبغي، والدعاء بغيره جائز، وأفضل الدعاء الأدعية التي فيها توحيد، فإنه يجتمع فيها دعاء العبادة ودعاء المسألة.([5]) قال النووي:" وإذا دعا بغير ما ورد فلا يتكلف السجع في الدعاء، ولا بأس بالدعاء المسجوع إذا كان محفوظا، أو قاله بلا تكلف ولا فكر فيه بل جرى على لسانه ولم يقصد تكلف ترتيبه وإعرابه وغير ذلك مما يشغل فكره وقلبه.([6])

 

     وليعلم الحاج انه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء معينا عند الذهاب لعرفة أعند رؤية جبل الرحمة أو عند الانصراف منه، بل كان صلى الله عليه وسلم يشتغل بالذكر والدعاء والتكبير من غير أن يخصص موطنا بدعاء أو ذكر معين.


([1]) رواه البخاري( 5/2373)ك الرقائق ب القصد والمداومة.

(([2] انظر الشرح الممتع (7/296)

([3]) المرجع السابق.

[4] فتاوى شيخ الإسلام (26/132)

([5]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (5/244)

([6]) المجموع (8/108)



بحث عن بحث