فضل يوم عرفة     

فضل الله بعض الأيام والشهور على بعض، ومن ذلك تفضيله لأيام عشر ذي الحجة بالعمل الصالح على سائر أيام السنة، وفي هذه العشر يوم عظيم، عظّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، ألا وهو يوم عرفة، فمن فضائله:

 

1-     أن الله - سبحانه – أقسم به في كتابه قال تعالى: { والشفع والوتر }([1])، عن جابر- رضي الله عنه – قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن العشر عشر الأضحى، والوتر عرفة، والشفع يوم النحر"([2]).

 

2-     ومن فضائله أنه موافق ليوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، فقد أنزل الله فيه قوله سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([3]) ، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب- t - أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: أي آية. قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾. فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم الجمعة([4]).

 

3-     أنه يوم عيد لأهل الإسلام، فعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"([5]). قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: ( وإنما يكون يوم عرفة عيدا في حق أهل عرفة لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم، والمقصود أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة فقد اتفق عيدان معا)([6]) قال ابن حجر - بعد أن ذكر كلام الكرماني في سبب تسمية يوم عرفة بيوم عيد-: (التنصيص على أن تسمية يوم عرفة يوم عيد يغني عن هذا التكلف. فإن العيد مشتق من العود، وقيل له ذلك لأنه يعود في كل عام. وقد نقل الكرماني عن الزمخشري أن العيد هو السرور العائد وأقر ذلك. فالمعنى أن كل يوم شرع تعظيمه يسمى عيد. انتهى. ويمكن أن يقال هو عيد لبعض الناس دون بعض وهو للحجاج خاصة، ولهذا يكره لهم صومه بخلاف غيرهم فيستحب ويوم العيد لا يصام)([7]) .

 

4-     إنه يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار.

 

   فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة "([8])

وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة و تجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري يوم بدر، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله. فقال: أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة"([9]).

 

عن يحي بن سعيد قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز خطب الناس بعرفة فقال: (إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأضنيتم الظهر، و أخلقتم الثياب، وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته، وإنما السابق اليوم من غفر له)([10]).

 

وروى سفيان عن داود بن أبي هند عن ابن سيرين قال: كانوا يرجون في ذلك الموقف للحمل في بطن أمه([11]).

 

5-     ومن فضائله أن الله يباهي بأهل الموقف،كما روت عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء"([12])

   وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبرا"([13])

 

   قال ابن عبد البر: ( هذا يدل على أنهم مغفور لهم، لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا من بعد التوبة والغفران والله أعلم)([14]).

 

6-     أنه يوم حظي بمزيد تشريف من الله -عز وجل- فالحج عرفة، والله جعل للحج ما لم يجعل لفريضة أخرى([15]).

 

7-     أنه يوم أحرى بأن تقبل فيه الدعوات، وتقال فيه العثرات (فمن فاته الوقوف بعرفة فلا يفوته أن يدعو الله في ذلك اليوم صائما، فإن هذا من حق الله الذي شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم لئلا يحرم مسلم صادق النية من أجره العميم )([16]).

 

8-     أنه أمر فيه بكثرة التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، حتى بعد انقضاء زمانه المحدد، استمراراً للذكر والطاعة، لأن الحسنة تلد الحسنة بعدها، والطاعة تليها طاعة، وهذا عنوان قبول العمل،([17]) قال الله –تعالى-: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾([18]) وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من أيام أعظم عند الله سبحانه و لا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"([19]) قال ابن القيم: (ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع المناسك إلى سائر البقاع)([20]) .

 

9-     أن صيامه يكفر سنتين، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: " يكفر السنة الماضية والباقية"([21]).

 

10- من فضائله؛ اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصوم والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها([22]) ، وثبت أن العمل الصالح في هذه الأيام العشر من أحب الأعمال إلى الله، فعن ابن عباس صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام. يعني العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"([23]).


(([1] سورة الفجر آية (3).

([2]) رواه أحمد (3-327)، النسائي في الكبرى (6-514)، قال ابن كثير: إسناد رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة والله أعلم

([3]) جزء من آية (3) من سورة المائدة.

([4]) رواه البخاري (1-25)، ومسلم (4-2313) واللفظ للبخاري.

([5]) رواه أبو داود (2-320)، النسائي في الكبرى (2-155)، الترمذي (3-143) وقال: حديث عقبة حسن صحيح، وأحمد (4-152). وفي التمهيد لابن عبد البر ج(21-163) قال أبو عمر هذا حديث انفرد به موسى = = بن علي عن أبيه وما انفرد به فليس بالقوي وذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ وإنما المحفوظ عن النبي -r- من وجوه يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق أيام أكل وشرب.

([6]) نقلا عن زاد المعاد (1-12).

([7]) فتح الباري (8-271).

([8]) رواه مسلم (2-982).

([9])رواه مالك في الموطأ (1/422) قال المنذري في الترغيب والترهيب (2-129): وهو مرسل.

([10])مصنف ابن أبي شيبة (7-173)

([11])ذكره ابن عبد البر في التمهيد (1/129).

([12])رواه مسلم (2-982).

([13])رواه أحمد في مسنده (2-224).

([14]) التمهيد (1-120).

([15])ينظر الفوائد التربوية في الحج ص54.

( ([16]ينظر المرجع السابق ص56.

([17]) ينظر: المرجع السابق ص55.

([18]) سورة البقرة آية (198).

([19]) رواه الإمام أحمد (2-75).

([20]) زاد المعاد (1-10).

([21]) رواه مسلم (2-819)

([22])مواهب الجليل (2-402).

(([23] سنن أبي داود (2-325)، سنن ابن ماجه (1-550)، سنن الترمذي (3-130)، أحمد (1-224) وقال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب.



بحث عن بحث