رمضان شهر الجود والإحسان

أخرج البخاري في صحيحه ، كتاب بدء الوحي ( 5 ): عن ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاس، وكانَ أجْوَدَ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وكانَ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخيرِ من الريح المرسلة.

شرح الحديث:

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " كان رسول الله أجود الناس " أي أعظم الناس وأكثرهم جوداً على الإطلاق، لأن جوده - صلى الله عليه وسلم - كان خلقياً وشرعياً معاً.

فأمّا جوده الخلقي فهو السخاء، وسهولة الانفاق الناشىء عن الطبع والوراثة، وأما جوده الشرعي فهو كما يقولون " إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي خالصاً لوجه الله تعالى دون رياء أو سمعة سواء كان هذا العطاء واجباً كالزكاة، أو مندوباً كالصدقة، وقد جمع الله تعالى في نبينا - صلى الله عليه وسلم - بين كرم الطبع الموروث عن أسرته الهاشمية العريقة، وكرم الشرع الذي أدّبه به ربه، فأحسن تأديبه، وقد وصفه أنس رضي الله عنه بقوله: " كان أجود الناس، وكان أشجع الناس، فلو كانت الدنيا له فأنفقها لرأى على نفسه بعد ذلك خوفاً "

" وكان أجود ما يكون فى رمضان " أي وكان يتضاعف جوده في هذا الشهر الكريم، فيتصف بأكثر الجود في رمضان

" حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن " أي والسبب في زيادة كرمه، ومضاعفة جوده، يرجع إلى أمرين:

الأول: التقاؤه بالروح الأمين جبريل عليه السلام. حيث كان يلتقي به كل ليلة من شهر رمضان فكان - صلى الله عليه وسلم - يتوسَّع في البذل والعطاء فرحاً بلقائه، وشكراً لله تعالى على ذلك اللقاء، فكأنه كان يستضيف جبريل بكثرة إنفاقه على الفقراء، كما أفاده السنوسي في شرح مسلم: وقال الشهاب الخفاجي: " كان - صلى الله عليه وسلم - يُسَرُّ بملاقاة جبريل وإمداده بالبشرى والكرامة فيحسن كما أحسن الله إليه.

الثاني: مدارسة القرآن حيث كان يلقاه جبريل في كل ليلة فيدارسه القرآن، أي يتناوب معه قراءة القرآن، فيقرأ جبريل عشراً، ويقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشراً آخر، أو يشتركان معاً في القراءة في وقت واحد، على طريقة القراءة الجماعية من المدارسة بمعنى المشاركة في القراءة. أو يكون معنى المدارسة " العرض " ومعناه أن يقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده وجبريل يستمع إليه، كما جاء في بعض روايات البخاري حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان، حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن" ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستعمل الطرق الثلاثة.

والحاصل أن سبب زيادة جوده أمران: التقاؤه بجبريل، ومدارسته للقرآن

" فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة " أي كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكرم وأكثر عطاءً وفعلاً للخير، وأعظم نفعاً للخلق من الريح الطيبة التي يرسلها الله بالغيث والرحمة، تسوق السحاب إلى الأرض الميتة، تحييها بالنبات الذي يتغذى به الحيوان، وينتفع به الإنسان.

لأنّها قد تتخلف عن العطاء، أما عطاؤه - صلى الله عليه وسلم - فلا يتخلف أبداً، ولا يقف عند حد، ولأنّها إنما تعطى الدنيا فقط، أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإنه يعطي الدنيا والآخرة، لأنه جاء بنعمة الإِسلام التي تتحقق بها سعادة الناس في الدارين، هذا بالإِضافة إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مضرب الأمثال في جوده وكرمه، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُسْألُ شيئاً إلاّ أعطاه" أخرجه أحمد.

ويستفاد من الحديث ما يأتي:

أولاً: الحث على الجود والإفضال في كل الأوقات -كما أفاده العيني- والزيادة منه في رمضان، وعند الاجتماع بالصالحين اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم -. قال السنوسي: ولذلك اعتاد الناس جعل الطعام، ونداء الناس إليه عندما ينزل بهم مَنْ يجب تعظيمه كأكابر العلماء ومن يفرحون به.

ثانياً: زيارة الصلحاء وأهل الفضل، ومجالستهم، لأنّها سبب الخير والصلاح.

ثالثاً: الإكثار من البذل والعطاء والإحسان وقراءة القرآن في شهر رمضان(1).

_____________

(1) انظر : منار القاري 1 / 56 .



بحث عن بحث