رمضان شهر القرآن (1-5)

القرآن تذكرة وشفاء للعالمين :

وقد أنزل الله القرآن تذكرة للعالمين، ليذكر الناس بالصراط المستقيم، ليعلمهم طريق العبادة، والحياة الآمنة الطيبة في الدنيا والآخرة، فالقرآن موجود لكل من أراد أن يتذكر.

فمن أراد الاستقامة وطلبها فالقرآن مذكر له، فإذا أخذت القرآن وبدأت تدرس تعاليمه بهدف الاستقامة هداك الله إلى الصراط المستقيم: ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) [التكوير: 27، 28].

وقد كان المجتمع البشري قبل نزول القرآن مملوءاً بكثير من الأدواء من حروب وقتل وتشريد، وظلم وطغيان، وفساد وفجور، واستعباد وفرقة بين الناس.

القوي يأكل الضعيف .. والدنيا لمن غلب، وما كان لله من الطاعة والعبادة توجهوا به إلى الأصنام والأوثان.

فلما أراد الله شفاء الأمة من هذه الأدواء والأمراض والضلال أرسل الله عبده ورسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى العالمين بهذا القرآن، ليشفي البشرية من أسقامها، وينقذها من الشقاء الذي تعيش فيه كما قال سبحانه: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 82].

فشفي الله البشرية بنزول القرآن، واستقر منهج الله في الأرض، وحكم حركة الحياة في أجمل وأحسن قرون البشرية، في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين.

ثم توالت الرحمات من رب العالمين لتمنع الشقاء عن الأمة، وكان النصر وكانت العزة لمن تمسك بهذا الدين.

فإذا حدثت غفلة وابتعد الناس عن المنهج جاءت داءات جديدة ومصائب ثقيلة، فإذا عاد الناس إلى المنهج وإلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله جاء الشفاء، وزال الوباء، وجاءت الرحمة: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف: 96].

القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم :

وكل نبي من الأنبياء أوتي آية ليصدقه من أرسل إليهم، ورآها أولئك كآية الطوفان لنوح، وآية الريح لهود ونحوهما.

ولكن الذي أوتيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - معجزة وآية هو القرآن الكريم، الذي يعطي عطاء لكل جيل، يختلف عن الجيل الذي قبله، وهو صالح لكل زمان ومكان وإنسان، يداوي أمراض المجتمعات أينما كانت، ومهما كانت.

يحمل العلاج لكل الداءات، ويعالج مشاكل البشرية في أنحاء الأرض: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) [النحل: 89].

والقرآن الكريم كلام الله عزَّ وجلَّ، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته: فتارة يتجلى سبحانه في جلباب الهيبة والعظمة والجلال فتخضع الأعناق، وتنكسر الكبرياء، وتخضع النفوس، وتخشع الأصوات.

وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال الدالة على كمال الذات فيستنفد به من قلب العبد قوة الحب كلها، ويصبح فؤاده فارغاً إلا من محبته.

وإذا تجلى سبحانه بصفات الرحمة والبر، واللطف والإحسان، انبعثت قوة الرجاء في العبد فسار إلى ربه، وكلما قوي الرجاء جدَّ في العمل.

وإذا تجلى الرب بصفات العدل والانتقام، والغضب والعقوبة، انقمعت النفس الأمارة بالسوء، وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب، واللهو واللعب، والحرص على المحرمات.

وإذا تجلى سبحانه بصفات الأمر والنهي، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وشرع الشرائع، انبعثت من النفس قوة الامتثال والطاعة، وتنفيذ أوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها.

وإذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم انبعثت من العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه.

فتبقى حركاته وأقواله وأفعاله موزونة بميزان الشرع.

وإذا تجلى سبحانه بصفات الكفاية، والقيام بمصالح العباد، وسوق أرزاقهم، ودفع المصائب عنهم، ونصره لأوليائه، انبعثت من العبد قوة التوكل على ربه، والتفويض إليه، والرضى به.

وإذا تجلى جلَّ جلاله بصفات العز والكبرياء، انبعثت من العبد صفات الذل لعظمة الله، والانكسار لعزته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح لجلاله، فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه.



بحث عن بحث