قصة أم سليم مع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما

 

عن أنس رضي الله عنه قال: مات ابن لأبى طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا. قالت فاحتسب ابنك. قال: فغضب وقال: تركتنى حتى تلطخت ثم أخبرتنى بابنى، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بارك الله لكما في غابر ليلتكما ».

قال: فحملت، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهى معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً، فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب إنه يعجبنى أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد انطلق. فانطلقنا، قال: وضربها المخاض حين قدما، فولدت غلاماً فقالت لى أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: « لعل أم سليم ولدت ». قلت نعم. فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت ثم قذفها في في الصبي فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: « انظروا إلى حب الأنصار التمر ». قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله (1).

 

شرح المفردات (2):

( غابر ليلتكما ): أي ماضيها.

( الِميسم ) : هي الحديدة التي تعلم بها الدواب، والحكمة فيه تمييزها، وليعرفها صاحبها.

( لاكها ): أي مضغها، قال أهل اللغة: اللوك مختص بمضغ الشيء الصلب

( يتلمظ ) : يدير لسانه في فيه ليتتبع ما فيه من آثار الطعام.

 

من فوائد الحديث(3):

1- إباحة الكي في الحيوان، قال العلماء: والمستحب أن يسم الغنم في آذانها، والإبل والبقر في أصول أفخاذها، وقد جاء هذا في رواية لأحمد وابن ماجه.

2- قال العلماء: وسم الآدمي حرام، وغير الآدمي في الوجه منهي عنه.

3- فائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه من بعض، وليرده من أخذه ومن التقطه، وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلاً لئلا يعود في صدقته.

4- فيه جواز إيلام الحيوان للحاجة.

5- اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه.

6- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ووسمه بيده.

7- استحباب تحنيك المولود وأن يكون بالتمر، وقد كانوا يبعثون بمواليدهم للنبي صلى الله عليه وسلم لتحنيكهم لأجل البركة كما في الحديث، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه و سلم، فسماه إبراهيم و حنكه بتمرة، و زاد البخاري:" و دعا له بالبركة و دفعه إلي ".

8- عناية الإسلام والأطفال، وتكريمه لهم منذ خروجهم إلى الدنيا.

9- استحباب تسمية المولود في يومه الأول، وحسن اختيار اسمه.

10- مشروعية التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ بريقه وما لا مس جسده وليس ذلك لأحد بعد النبي عليه الصلاة والسلام، حيث لم يفعله الناس مع كبار الصحابة رضي الله عنهم.

11- في ضرب أم سليم المثل للولد بالعارية دليل على كمال علمها وفضلها وعظم إيمانها وطمأنينتها، ورضاها بالقضاء القدر رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

12- استجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث حملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة، وجاء من ولده عشرة رجال علماء أخيار.

  


(1) رواه مسلم، رقم  (6476).

(2) النووي، شرح صحيح مسلم (16/138) فتح الباري - ابن حجر - (5/ 134).

(3) انظر: المرجعين السابقين.



بحث عن بحث