مقدمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..     أما بعد :

   فتعد الثقافة بمكوناتها العقدية، والفكرية، والقيمية، العنصر الأهم في بناء الإنسان، ففي ضوئها تتحدد نظرته للكون والحياة، والمنهج الذي يسلكه في صلته بهما، وهي التي ترسم له القيم والمثل التي توجه فكره وسلوكه، وغاياته في الحياة، وهي " الصورة الحية للأمة، فهي التي تحدد ملامح شخصيتها وقوام وجودها، وهي التي تضبط سيرها في الحياة، وتحدد اتجاهها فيها، إنها عقيدتها التي تؤمن بها، ومبادئها التي تحرص عليها، ونظمها التي تعمل على التزامها، وتراثها الذي تخشى عليه الضياع والاندثار، وفكرها الذي تود له الذيوع والانتشار.." ([1]) .

   والثقافة الإسلامية تقوم على أصول اعتقادية ، ومناهج تشريعية، وقيم خلقية، وقواعد عقلية، تتلاقى وفق منهج متكامل ومتوازن يصلح من شأن الإنسان، ويحقق له إنسانيته المثلى، ويؤهله لحمل الرسالة، والقيام بوظيفة الخلافة في الأرض، ويعمل على إسعاده في الدنيا والآخرة.

   ومن مزايا الثقافة الإسلامية أنها توجه المسلم إلى تحرير عقله من آسار الشك والشرك، والخرافة والوهم، وكل ما يعوقه عن عقيدة التوحيد، وهي تبعثه إلى تطهير نفسه وتزكيتها، فلا تستبد به الأهواء، أو تستغرقه الشهوات بما يقعده عن السمو إلى المقامات العالية الرفيعة.

   وهي ثقافة تعلي من شأن الحق، وتحفز إلى الخير، وتردع عن الشر، وتبعث المؤمن بها إلى أن يخوض غمار الحياة برؤية واضحة، وبصيرة نافذة تحدد له الموقف السوي – على نور من نصوص الكتاب والسنة – من التيارات والمذاهب والاتجاهات، في وعي تام بما يقبل أو يرد، وما يأخذ وما يدع، بلا جموح أو تفريط، بما يحفظ له مقومات شخصيته، ولا يعيقه عن الانتفاع بمعطيات عصره من أفكار ومنجزات.

   ومن مزاياها أيضاً، أنها ترسم المنهج الأمثل في الصلة مع الثقافات الأخرى، صلة قوامها التفاهم، والتواصل في ظل المثل العليا، والقيم الإنسانية المشتركة، مع التمسك بالحق، والدعوة إليه، والاعتزاز بالانتساب إليه، قال الله تعالى:] قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاإِلَىٰكَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[[آل عمران:64].     والجيل المعاصر يواجه تحديات فكرية من مذاهب وتيارات تسعى إلى استقطابه، وتوهين صلته بدينه، وزعزعت ثقته بمعتقداته وثوابته، بل إن من أبناء المسلمين اليوم من اهتزت علاقتهم بإسلامهم، وصاروا يستمدون منظوماتهم الفكرية من غيره، وقد ينسبون أنفسهم إلى مذهبيات مناوئة للدين كالعلمانية، والليبرالية، وغيرهما.

هدف البحث

   يهدف هذا البحث – بحسب جهد كاتبه- إلى بيان القواعد الرئيسة التي ينبغي للمسلم المعاصر أن يستهدي بها وهو يدأب في بناء ثقافته؛ تحقيقاً لأصالته الثقافية، وتسديداً لحركته الفكرية.

 

خطة البحث:

جاء هذا البحث في مقدمة وتمهيد ومبحثين، وفي كل مبحث منهما عدد من المطالب، وخاتمة هي على النحو الآتي:

-       المبحث الأول: الأساس الإيماني

   - المطلب الأول: الإيمان بالله وبالنبوة.

   - المطلب الثاني: التصور الصحيح للإنسان والكون والحياة. 

-       المبحث الثاني: الأساس المعرفي

-المطلب الأول: اعتماد الكتاب والسنة مرجعين أساسين للمعرفة.

-المطلب الثاني: التجرد لطلب الحق.

-المطلب الثالث: المنهجية العلمية.

-المطلب الرابع: التفكير.

-المطلب الخامس: اعتماد المنهج الصحيح في التعامل مع التراث.

-المطلب السادس: الأخذ بالمنهج الصحيح في التعامل مع الخلاف.

ثم الخاتمة، وفيها أهم النتائج، ثم قائمة المصادر والمراجع.

 

منهج البحث:

لقد سرت في هذا البحث وفق منهج يقوم على ركيزتين هما:

1- الاستدلال: وذلك بالرجوع في دراسة القضايا محل الدراسة وبيانها إلى نصوص الكتاب والسنة، مع الاستفادة من جهود علماء الأمة قديماً وحديثاً.

2- الوصف والتحليل: وذلك ببيان أسس البناء الثقافي وتحليلها، وبيان حاجة الشاب المسلم إليها، وتجلية أثرها في صياغة فكره، واستثمار طاقاته بما يحقق أصالته، وينمي إيجابيته في مجتمعه، ونحو أمته.

   والله تعالى أسأل التوفيق والتسديد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 


(1) الخطيب، عمر عودة، لمحات في الثقافة الإسلامية،(1397هـ) بيروت، مؤسسة الرسالة.(ص13).



بحث عن بحث