كتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة رحمه الله تعالى

لقد أوضح ابن قتيبه - رحمه الله تعالى - مقصوده من تأليف هذا الكتاب حيث قال: "ونحن لم نرد في هذا الكتاب أن نَرُدَّ على الزنادقة والمكذبين بآيات الله عز وجل ورسله، وإنما كان غرضنا: الرد على من ادَّعى على الحديث التناقض والاختلاف، واستحالة المعنى من المنتسبين إلى المسلمين"(1).

وقد جاء كتابه متناولاً خمسة أنواع من الأحاديث، وهي كالتالي:

1-   الأحاديث التي ادُّعي عليها التناقض، وهو أكثرها(2).

2-   الأحاديث التي قيل فيها: إنها تخالف كتاب الله تعالى(3).

3-   الأحاديث التي قيل فيها: إنها تخالف النظر وحجة العقل(4).

4-   الأحاديث التي قيل فيها: إنها تخالف الإجماع(5).

5-   الأحاديث التي قيل فيها: إنها يبطلها القياس(6)(7).

ويظهر من هذا أن ابن قتيبة لم يقتصر في كتابه على المختلف بل تناول المشكل، ولذا فقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "الأولى بابن قتيبة أن يسمي كتابه:تأويل مشكل الحديث"(8)، كما سمَّ كتابه الآخر: "تأويل مشكل القرآن"، وهذا بناءً على القول بالتفريق بين المختلف والمشكل - على ما تقدم -، أما على القول بأنهما شيء واحد فلا إشكال. وقد امتاز هذا الكتاب باشتماله على جملة من الأحاديث التي يطعن بها أهل البدع على أهل السنة، فدفع التعارض عنها، وأزال ما استُشكل فيها، بتوجيهات سديدة، وأجوبة شافية غالباً.

كما امتاز كتابه بتنوع الأدلة، فهو لا يقتصر في الاحتجاج على الأدلة الشرعية، بل يتبع ذلك أحياناً بالأدلة العقلية، والشواهد اللغوية والشعرية، مما أكسبه أهمية بالغة عند أهل العلم.

والكتاب أيضاً متنوع المسائل، ففيه المسائل المتعلقة بالعقيدة، والمتعلقة بالفقه وغيرهما، وإن كانت مسائل العقيدة فيه أغلب.

ولكن يؤخذ على هذا الكتاب: افتقاره إلى الترتيب والتنسيق، فتجد مسائل الفقه مثلاً غير مرتبة على أبواب الفقه المعروفة، بل هي متناثرة في الكتاب مختلطة بالمسائل الأخرى المتعلقة بالعقيدة وغيرها.

كما يؤخذ على ابن قتيبة - رحمه الله تعالى - في هذا الكتاب: أنه ربما أتى بالحديث الضعيف - دون ذكر سند له أو تخريج غالباً - ثم حاول توجيهه والإجابة عنه، أو التوفيق بينه وبين حديث آخر صحيح، وكان الأولى له في هذه الحالة أن يبين ضعف الحديث، وعدم قيام الحجة به، وأنه لا ينهض لمعارضة الصحيح، فيزول بهذا الإشكال، وينتفي التناقض، إذ الحجة فيما صحَّ وثبت من سنة المصطفى  صلى الله عليه وسلم .

وقد يكون هذا التقصير من ابن قتيبة - رحمه الله - راجعاً إلى قلة عنايته بالحديث، ومعرفة صحيحه من ضعيفه، وهو ما ذكره عنه الذهبي - رحمه الله - حيث قال: "ابن قتيبة من أوعية العلم؛ لكنه قليل العمل في الحديث، فلم أذكره"(9) أي: لم يعده الذهبي من حفاظ الحديث، فلم يذكره في طبقاته(10).

ولعل هذا هو سبب تعرض بعض المحدثين لنقد كتابه هذا:

فقد قال ابن الصلاح - رحمه الله -: "وكتاب مختلف الحديث لابن قتيبة في هذا المعنى، إن يكن قد أحسن فيه من وجه، فقد أساء في أشياء منه، قصر باعه فيها وأتى بما غيره أولى وأقوى"(11).

وقال النووي: "صنَّف فيه ابن قتيبة، فأتى بأشياء حسنة وأشياء خير حسنة؛ لكون غيرها أقوى وأولى وترك معظم المختلف"(12).

وقال ابن كثير: "ابن قتيبة له فيه مجلد مفيد، وفيه ما هو غثٌّ، وذلك بحسب ما عنده من العلم"(13).

 

الهوامش:

(1) تأويل مختلف الحديث (117).

(2) انظر على سبيل المثال: (96، 103، 104، 107، 108، 110، 114، 121، 144).

(3) انظر على سبيل المثال: (111، 180، 181، 227، 279).

(4) انظر على سبيل المثال: (91، 94، 165).

(5) انظر: (241).

(6) انظر: (137)، وليس فيه غير هذا الموضع.

(7) انظر: مختلف الحديث لأسامة الخياط (402).

(8) مختلف الحديث للدكتور نافذ حسين حماد (65).

(9) تذكرة الحفاظ (2/633).

(10) انظر: مختلف الحديث للدكتور نافذ حسين (65).

(11) مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (173)، وانظر: الرسالة المستطرفة للكتاني (123).

(12) التقريب للنووي مطبوع مع شرحه تدريب الراوي (2/181).

(13) اختصار علوم الحديث مطبوع مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد شاكر (169).



بحث عن بحث