بسم الله الرحمن الرحيم

 

حوار مع فضيلة الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي المدرس بكلية الشريعة بجامعة دمشق سابقا وعضو مجمع الفقه الإسلامي

 

 

س1/ بداية نود أن تعرفوا المتصفح للموقع بشخصكم الكريم, المولد, النشأة, طلبكم للعلم, شيوخكم, إنتاجكم العلمي, الأعمال التي قمتم بها؟

ج1/إنني الفقير إلى الله تعالى  أ/د : وهبة مصطفى الزحيلي المولود في 5/1/1932م

في مدينة دير عطية – القلمون التابعة للعاصمة دمشق .

نشأت فيها ودرست المرحلة الابتدائية , ثم أكملت الدراسة في ثانوية تسمى ( الكلية الشرعية) في حي العمارة – زقاق النقيب , بدمشق , وأنا من أسرة تعمل بالزراعة والتجارة , ووالدي يحفظ القرآن الكريم رحمه الله , يختم القرآن كل يومين مرة , تعلم على يد العلامة الشيخ عبد القادر القصاب الذي دَرَس في الأزهر الشريف , وعلّم ومكث في رحابه 27 سنة , وله الفضل في نشر الدين الإسلامي والعلوم الشرعية في دير عطية وما حولها , وفي مدن أخرى قريبة , كان الوالد لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى بالتسابيح والأوراد , والوالدة فاضلة واعية , بنت الشهير مصطفى سعدة , والأولاد منها تسعة من الذكور والإناث , ثم تابعت الدراسة في كلية الشريعة بالأزهر , وحصلت على درجة العالمية مع تخصص التدريس من كلية اللغة العربية بمرتبة الأول , بالامتياز 1957 م , وكنت في الوقت نفسه أدرس الحقوق في جامعة عين شمس , فحصلت على ليسانس الحقوق بدرجة جيد عام 1957م , ثم حصلت على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة القاهرة ( الشريعة الإسلامية ) بتقدير مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بتبادل الرسالة مع الجامعات الأجنبية عام 1963م.  

وشيوخي كثر في سورية , منهم :

الشيخ هاشم الخطيب , والشيخ حسن الشطي , والشيخ صالح فرفور , والشيخ أحمد السمَّاق , والشيخ حمدي جويجاتي , والشيخ نمر الخطيب , والشيخ عبد الرزاق الحمصي , والشيخ حسن الحبنكة الميداني , والشيخ صادق الحبنكة الميداني , والشيخ جودت المارديني , وفي مصر : الشيخ مصطفى مجاهد , والشيخ حسن وهدان , والشيخ مصطفى عبد الخالق , والشيخ عبد الغني عبد الخالق , والشيخ محمد شلتوت ,  والشيخ عبد الرحمن تاج , والشيخ محمد أبو زهرة , والشيخ علي الخفيف , والشيخ محمد فرج السنهوري , والشيخ محمد الزفزاف... وغيرهم .

إنتاجي العلمي كثير : 75 كتابا , منها أربع موسوعات : الفقه الإسلامي وأدلته 11 مجلد , التفسير المنير 17 مجلد , أصول الفقه مجلدان , موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر , 8 مجلدات , والمقدار الكامل للمطبوعات 120 مجلدا وخمسون ألف صفحة.

مهمتي الأساسية التدريس في الجامعات : في كليتي الشريعة والحقوق , في دمشق , وليبيا والسودان , وكنت عميدا لكلية الشريعة بالوكالة بدمشق . وكلية الشريعة والقانون في جامعة الإمارات – العين , وكان لي أحاديث مستمرة أسبوعية في الإذاعات بدمشق وغيرها , وكذا في التلفاز , وعملت على إنشاء مجلة الشريعة والقانون في جامعة الإمارات , وأسهمت بنحو فعال في تطوير مناهج كلية الشريعة بدمشق وغيرها , ووضع مناهج الثانويات الشرعية في سورية , وشاركت في أكثر من ( 170 ) مؤتمرا علميا في البلاد العربية والإسلامية والغربية , وقدمت فيها بحوثا , وأنا عضو في المجامع الفقهية الإسلامية في مكة المكرمة , وجدة , والهند , والسودان , وأمريكا .

س2/ السنة النبوية مصدر أساس للتشريع, ولا يستغني عنها المشتغلون بالفقه وأصوله وقواعده, والأحكام الشرعية العامة, نود أن تبينوا لنا أهمية ذلك بشيء من التفصيل الذي يحتاجه طالب العلم؟

ج2/ السنة النبوية الشريفة المصدر الثاني الأساسي للشريعة الإسلامية , وهي إما شارحة للقرآن الكريم , أو مقيدة لبعض إطلاقاته , والمخصصة لبعض عمومياته , وإما مضيفة أحكاما جديدة ليست في القرآن كأغلب أحكام العبادات , والمعاملات والعقوبات , وأحكام الأسرة , والوقف , والوصايا , والمواريث , والأخلاق والقيم والمبادئ الإسلامية , ويجب العمل بها ما دامت صحيحة ثابتة , لأنها وحي بالمعنى من الله تعالى , وللآيات الكثيرة الملزمة بها لقوله تعالى : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) والأحاديث الصحيحة لقوله : ( أوتيت القرآن ومثله معه ) ويستحيل فهم أحكام القرآن المجيد من دون السنة , ولا يستغني عنها بحال من الأحوال العلماء سواء في التفسير والعقيدة والفقه والأصول والقواعد الكلية الشرعية , وأحكام الشريعة كلها , وحكمة التشريع , والأخلاق . فلا يحل لمسلم أو عالم أو طالب علم عدم الإفادة منها أو التخلي عنها , أو الرجوع إليها , وأحيل كل إنسان على كتب موجزة في بيان أحكام السنة مثل : سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني , ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار لابن تيمية ( الجد ) للشوكاني , ليعرف كل مسلم مقدار أهمية السنة النبوية , وأنها ترجمان النبوة , فمن أهملها أو أنكرها أو تشكك فيها فهو ضال مضل , بل هو منكر للقرآن .

س3/ كثرت ظاهرة الفتاوى الصادرة عن غير المختصين في العلوم الشرعية, من خلال بعض القنوات الفضائية والتي تتحدث عن أدق المسائل المتعلقة بالأمة الإسلامية, مما يلبس على أفراد الأمة أمر دينها, نود أن تلقوا الضوء على هذه الظاهرة, وهل لها من آثار سلبية؟ أو هي مما يسع الناس تحمله؟

ج3/ تورطت القنوات الفضائية في توجيه أسئلة شرعية لبعض المنتمين للعلوم الشرعية , دون توافر المؤهلات المطلوبة شرعا , فوقعوا في أخطاء , وتورطوا في تقديم فتاوى شاذة أو الاعتماد على آراء ضعيفة , أو تأثر بثقافة غير إسلامية , مما أوقع السامعين في حيرة , حيث تضاربت الفتاوى , وبعدت عن أصول الشريعة وهدي الإسلام , وضوابط الفتوى , ومقتضيات الورع , ورقابة الله عز وجل , بحجة التيسير والتسهيل على الناس , وذلك أقرب للتفلت من أحكام الشريعة المقررة لدى جماهير أهل العلم الثقات , والأئمة المجتهدين , وإجماع العلماء في كل عصر وزمان , حتى إن بعض آراء هؤلاء الأدعياء أقرب إلى السخف والسذاجة , كما أن الواضح منها أن مُصْدري هذه الفتاوى مازالوا مجرد طلاب علم , أو مبتدئة في تلقي العلوم , علما بأن المبدأ الشرعي المنقول في السنة النبوية : ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار )

وقد أصدر المجمع الفقهي ورابطة العالم الإسلامي كتابا نفيسا في أصول الفتوى وضوابطها وآدابها , وعُقد مؤتمر متميز لهذه المهمة في الكويت , منذ بضع سنوات , فليرجع كل متعلم لما تمخض عن هذا المؤتمر وكتاب المجمع المذكور , كما يرجع لأصول الفقه لبيان آداب المفتي والمستفتي .

س4/ إن ممارسة الفتوى من أشرف الأعمال وأدقها, وذلك لعلاقتها بمنهج التعامل مع الله ومع الناس في هذه الحياة, ما هي نصيحتكم وتوجيهاتكم للذين بدؤوا يتصدرون للفتوى, ويتعرضون لأسئلة الناس؟ وما الأسس الشرعية التي ينطلق من خلالها المفتي؟

ج4/ حقا إن ممارسة الفتوى من أشرف الأعمال وأدقها وأخطرها لأنها نقل أو تقرير أو توجيه لحكم الله في المسائل , ولأنها مزلقة للناس في أعمالهم إن كانت الفتوى غير صحيحة أو شاذة أو بعيدة عن الدقة والصواب .

فعلى كل متعلم أو مبتدئ أن يخش الله تعالى في إصدار الفتاوى وأن يلتزم الورع , ويتقيد بالضوابط الشرعية لقضايا الإفتاء حتى لا يكون الواحد ضالا أو مضلا حينما يجيبون عن سؤال بغير علم . ونصيحتي الدائمة منذ بدء تدريسي في الجامعة ألا يبادر طالب العلم للإفتاء إلا بعد النضج العلمي , ومظنته بعد سن الأربعين لكل إنسان .

وعلى المفتي أن يفهم الشريعة فهما عميقا من خلال تفسير القرآن ووعي أحكامه ومعانيه وكذلك شروح الأحاديث والسنة النبوية , ويطلع على مناهج الأئمة المجتهدين ليتمرس على كيفية فهم المسائل , وطريقة التعرف على الحكم الشرعي الصحيح , وألا يفتي إلا بالقول الراجح أو المعتمد , لا بالقول الضعيف أو المهجور أو الشاذ من الآراء , وعلى كل من أراد الإفتاء أن يكون ملازما لعالم ثقة يستشيره في الأمور , ويتذاكر معه في المسائل قبل أن يتسرع في إصدار الرأي أو الفتوى .

س5/ إن الأزمة المالية التي عصفت بالعالم وأثرت على اقتصاد جميع دول العالم وبنسب مختلفة, كان من أهم أسبابها الظلم في التعامل المالي, والأنظمة الربوية التي تتعامل من خلالها المؤسسات المالية, ما هو تعليقكم على ما حدث ودور الاقتصاد الإسلامي في تقديم الحلول لذلك؟

ج5/ من الواضح أن أسباب الوقوع في الأزمات الاقتصادية أو المالية في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي , وكذا الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت عام 2008م وما تزال قائمة إلى عام 2013م أو أكثر , إنما تنحصر بالنظام الرأسمالي القائم على الظلم , والاحتكار , والاستغلال , والبنوك الربوية. ونظام التأمين التقليدي وبطاقات الائتمان المقترنة بالفوائد الربوية , والنزعة الفردية الطاغية , وغير ذلك من العيوب . والطريق المتعين للخروج من هذه الأزمة وأمثالها إنما هو الاهتداء بقواعد النظام الإسلامي المالي القائم على أساس الاستثمار وتبادل السلع , والرحمة , والتعاون , والإيثار , والتضحية , والأخوة , وتحريم الربا , وتوابعه , بدليل سلامة نظام المصارف الإسلامية , والتأمين التكافلي أو التعاوني , من الهزات أو النكسات المالية

وقد أدرك كبار المستشارين الاقتصاديين , وكذا البابا الحالي أهمية الاعتماد على أصول الاقتصاد الإسلامي , للخروج من محرقة الأزمة المالية , وسارعت أكثر من خمس عشرة دولة جديدة لتطبيق هذا النظام , وهي الفلبين , والهند , ومالطا , ولوكسمبورج , وأفغانستان , وجيبوتي , والمغرب , وأذربيجان , وموريشيوس , واليابان , وتونس , وكوريا الجنوبية , وألمانيا , وتركيا , وفقا لصحيفة ( الاقتصادية ) السعودية , والمكتوب في شبكة " نت " . هذه الدول انضمت إلى الدول التي تطبق نظام المصارف الإسلامية بعد نجاح نظام المصارف والمؤسسات الإسلامية التي بلغت ثلاثمائة ونيفا .

س6/ يردد بعض طلاب العلم قاعدة: "لا يسوغ الإنكار في مسائل الخلاف", فهل هذه القاعدة تؤخذ على إطلاقها؟

ج6/ هذه القاعدة ليست على إطلاقها , وهي محدودة في دائرة الآراء الاجتهادية المذهبية المعتمدة على الأدلة المقررة شرعا , أما إن كان الاختلاف فيما يصادم العقيدة أو الحكم القطعي الثابت فيجب الإنكار على المخالف لمصادمته أصول الشريعة ومصادرها .

س7/ اعتنى بعض العلماء بعلم المقاصد, وبينوا أهميتها الشرعية, واتخذها البعض من الأدلة الشرعية, وصارت مرتكزاً لكل قضية, نأمل من فضيلتكم إلقاء الضوء على هذه المسألة المهمة؟

ج7/ علم المقاصد المتعلق بالغايات والأهداف والأسرار الشرعية التي تشتمل عليها أحكام الشريعة , إنما هو بمثابة الرادار لترجيح الرأي الأصوب , أو الاهتداء بها فيما لا نص شرعيا فيه , أو كان من المستجدات الطارئة , والمقاصد في حد ذاتها لا تصلح دليلا شرعيا , وإنما هي من مباني الاجتهاد المعتبر , وبهذا لا يصح الاعتماد عليها في ذاتها لأن المصالح القائمة عليها هذه المقاصد يجب أن تكون من جنس المصالح المعتبرة شرعا . وينخدع المروجون لها والمفتونون بها فذلك يصادم ما قرره الإمام الشاطبي في شأنها .

س8/ نصيحتكم للمسلمين عامة ولطلاب العلم الشرعي خاصة .

ج8/ نصيحتي للمسلمين عامة ولطلاب العلم الشرعي خاصة التقيد بما استنبطه العلماء الثقات من مصادر الشريعة , لا أن يكونوا مع السذج والبسطاء وأشباه العوام , وأن يراعوا خشية الله في تقرير أحكام الله عز وجل , وأن يوسعوا ثقافتهم واطلاعهم على أصول الاجتهاد وقواعده المعتبرة.

والله يحب المحسنين .

*  أجرى الحوار  : سليمان بن مسلم الحرش

الاثنين 26 من صفر 1432

الموافق 31/1/2011

أ/د : وهبة الزحيلي

 

 



بحث عن بحث