حوار مع د. محمد أديب الصالح

 

 

 

نرحب بصاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد أديب الصالح، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكلية الشريعة بجامعة دمشق سابقاً، ورئيس تحرير مجلة حضارة الإسلام.  

 

س1: بداية نود أن تعرفوا المتصفح للموقع بشخصكم الكريم: النشأة, بداية  طلبكم للعلم, شيوخكم، إنتاجكم العلمي, عملكم خلال مسيرتكم العلمية.

 

·   كان المولد عام 1926 للميلادي, في قطنا، الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة دمشق، بلد الوالد محمد صالح - رحمه الله-, أما الوالدة نظمية الطحان - رحمها الله تعالى- فمن دمشق.

 

بعد الحصول على الشهادة الابتدائية في حوالي العاشرة, تم الالتحاق بمدرسة التجهيز في دمشق, لكن شاء الله تعالى أن أُصاب بمرض حال دوني ودون الاستمرار في الدراسة, وكان ذلك - وهذا من توفيق الله -  مدعاة للتحول إلى تلقي العلم الشرعي، وعلوم العربية على العلامة الشيخ إبراهيم الغلاييني, الذي كان مفتي قطنا آنذاك, جزاه الله خير الجزاء.

 

ولم تقتصر صحبته - رحمه الله تعالى- على القراءة في الكتب؛ بل كانت صحبة متكاملة في الحِلِّ والترحال, كما كان تدريباً مستمراً على الخطابة، والدعوة، والتدريس.

 

ثم تابعت الدراسة في دمشق بين الكلية الشرعية، والجمعية الغراء، إذ حصلت على الثانوية الشرعية، ومعها الثانوية العامة، وذلك عام 1946م.

 

وبعد التسجيل في كلية الحقوق بجامعة دمشق، تم ابتعاثي في العام نفسه إلى الأزهر للدراسة في كلية أصول الدين، وبفضل الله تعالى استطعت الجمع بين الكليتين، والحصول على الإجازة الجامعية من كل منها.

 

·   بعد العودة من القاهرة عينت مدرساً للتربية الإسلامية في حلب، كما قمت بتدريس اللغة العربية في مدرسة خاصة(1950- 1952م)، ثم انتقلت للتدريس في دمشق مدة أربع سنوات، ثم تم تعييني معيداً في كلية الشريعة في جامعة دمشق سنة(1957م)درَست أثناءها مادة أحاديث الأحكام.

 

في العام التالي (1958م) أوفدت إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة؛ للحصول على درجة الدكتوراه، حيث يمضي الطالب سنتين في الدراسات العليا باختبارات دقيقة، شفهية وتحريرية، مع بحث بمثابة رسالة صغيرة في مادة من المواد التي يدرسها، وكان بحثي حول الاجتماع عند الإمام الشافعي - رضي الله عنه-، بإشراف شيخنا محمد أبو زهرة،  ولم يكن هناك مصطلح ماجستير في تلك الأيام.

 

ومن ثم حصلت ـ بفضل الله ـ من جامعة القاهرة على دكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) بمرتية الشرف  الأولى، وتبادل الرسالة مع الجامعات الأجنبية، مع التوصية بطباعتها.

 

وكان موضوع الرسالة : تفسير النصوص في الفقة الأسلامي/ دراسة مقارنة.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه- بتوفيق من الله تعالى- تهيأ لي تحقيق كتاب" تخريج الفروع على الأصول" الذي طبع في جامعة دمشق قبل مناقشة رسالة الدكتوراه، وذلك عام 1962 م.

 

ثم عدت إلى دمشق للتدريس في كلية الشرعية بجامعة دمشق، إضافة إلى تدريس مادة أصول الفقه في كلية الحقوق، ومادة البلاغة النبوية في كلية الآداب.

 

رافق هذه المسيرة من أولها – بحمد لله-  عمل دعوي وتربوي مكثف، كان من أبرزه رئاسة تحرير مجلة"حضارة الإسلام" بعد وفاة مؤسسها الشيخ مصطفى السباعي - رحمه الله-، ثم خطبة الجمعة في مسجد جامعة دمشق، بضع سنوات.

 

في أواخر عام 1978م غادرت سورية للعمل في المملكة العربية السعودية، حيث أسست قسم السنة وعلومها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وكنت رئيساً له مدة تسع سنوات، درست خلالها مادة الحديث وعلومه، ثم تحولت بعد العام  العاشر إلى جامعة الملك سعود، حيث دَرَّسْتُ طلبة الدراسات العليا في قسم الثقافة الإسلامية من كلية التربية، وكنت رئيساً للجنة القرآن والحديث في القسم.

 

وبعد الإحالة على التقاعد- كما يقولون- تفرغت لتدريس طلاب العلم، والبحث والتأليف.

 

ولا بد من ذكر أني أتيحت لي- بحمد الله تعالى- خلال رحلة التعليم المباركة تلك؛ المشاركة في مناقشة عدد وافر من رسائل الدكتوراه والماجستير، وكذالك التحكيم في البحوث المرشحة للنشر في المجلات المحكمة، هذا وقد قدمت ـ بتوفيق الله- خلال خمسة وعشرين عاماً عدداً من الموضوعات الإسلامية في إذاعة القرآن الكريم بالرياض، وإذاعة القرآن الكريم بالكويت، وإذاعة قطر، تحولت فيما بعد إلى كتب، والحمد لله.

 

- الإنتاج العلمي:

 

1-  تخريج الفروع على الأصول (تحقيق).

2-  رسالة الدكتوراه: تفسير النصوص في الفقه الإسلامي (مجلدان).

3-  مصادر التشريع الإسلامي، ومناهج الاستنباط ( أَُِّلفَ لطلاب الحقوق).

4-  مع"الجامع الأحكام القرآن" للقرطبي (تفسير تحليلي).

5- على الطريق (قسم من الافتتاحيات التي كنت أنشرها في مجلة "حضارة الإسلام" بوصفي رئيساً للتحرير.

6-  معالم في غاية والمنهج (جزآن): القسم الآخر من افتتاحيات "حضارة الإسلام".

7-  أدعياء الهيكل (اليهود في القرآن والسنة).

8-  الربانيون قدوة وعمل.

9-  لمحات في أصول الحديث، والبلاغة النبوية.

10-  تحت عنوان عام (معالم قرآنية في البناء) سبعة كتب تحمل العناوين الآتية:

        أ‌-      بناء على مناهج النبوة.

      ب‌-      بناء الأمة ومواجهة التحديات.

      ت‌-      المسلم والبناء الحضاري.

      ث‌-      الإنسان والحياة.

       ج‌-     القصص القرآني وعطاء الشباب.

       ح‌-      شفاء  القرآن وجبل البناء .

       خ‌-      موقع المرأة المسلمة بين يدي الإسلام ودعاوي التجديد.

 

11- هكذا يعلم الربانيون (من وحي حضارة الإسلام) .

12- القيامة، مشاهدها، وعظاتها، في السنة النبوية (ثلاثة أجزاء).

13- التقوى في الكتاب، والسنة، وسير الصالحين (ثلاثة أجزاء).

 

تحت الطبع:

 

1.   رحلة مع الشامي المرابط شيخ الإسلام الإمام أبي عمرو الأوزاعي.

 

2.   القصص في السنة النبوية.

 

3.   "علم أصول الفقه" للشيخ عبد الوهاب خلاف (تحقيق وتخريج وتعليق).

 

"تخريج أحاديث البزدوي" للقاسم بن قطلوبغا(تحقيق)

 

قيد الإخراج:

 

1.   عربية اللسان في القرآن الكريم.

 

2.   مصطلحات وتعريفات نبوية.

 

3.   في نور التنزيل- فوائد وتنبيهات.

 

4.   شذرات وقطوف.

 

5.   الكشكول.

 

 

س2: ما هي الشخصيات التي تركت أثراً في حياتكم .

 

أما عن مشايخي فقد أشرت في حديثي الموجز عن النشأة إلى تحولي من الدراسة النظامية إلى تلقي العلم على الشيخ العلامة الداعية إبراهيم الغلاييني - رحمة الله-، الذي أشرُف بأنه جدّ أولادي، والحمد لله.

ولا شك أن شخصية العالم العامل التي كان يتمتع بها - رحمة الله-، ودور المربي الغيور الذي تعامل به مع كافة أبناء المنطقة، إضافة إلى ما خصني به من التعليم، والتدريب، والتربية، كان له أثر مباشر في اختياري طريق العلم الشرعي، والحرص عليه بفضل الله تعالى.

 

ثم ترد إلى خاطري بعد ذلك أسماء كثيرة، كان لها الأثر في تكويني العلمي والدعوي، ففي مرحلة الدراسة في الكلية الشرعية، ثم الجمعية الغراء، كان الأساتذة نخبة من العلماء المخلصين الغيورين، البعيدين عن حب الظهور، وتسخير العلم للدنيا، مع الرضى بالقليل، وكان لهم أكبر الأثر في تكويننا العلمي والدعوي، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

 الشيخ حسن حبنكة الميداني - رحمه الله تعالى-، والشيخ محمد بهجة البيطار - رحمه الله تعالى-، والشيخ خالد الجباوي - رحمه الله تعالى-، والشيخ نايف العباس - رحمه الله تعالى-، وأحمد البصروي- رحمه الله تعالى-، وغيرهم كثير، كما أذكر الشيخ ملا رمضان - رحمه الله تعالى-، وأبا الخير الميداني - رحمه الله تعالى-، والشيخ عبد الكريم الرفاعي - رحمه الله تعالى-، ممن كنا نلقاهم خارج أوقات الدراسة، بل لابد من الإشارة إلى أنه حتى المشايخ والأساتذة الذين علمونا المواد غير الشرعية كانوا مربين مخلصين، وأذكر منهم الأستاذ عبد الحميد القنواتي - رحمه الله تعالى-، الذي درسنا مواد اللغة العربية، والشيخ درويش القصاص - رحمه الله تعالى-، الذي علمنا الرياضيات بأجمل أسلوب، وكان حافظاً للقرآن الكريم، وحريصاً على إلقاء دروسه، والحديث معنا بالعربية الفصحى.

 

وأذكر هنا موقفاً جرى لي في الكلية الشرعية مع الشيخ محمود ياسين، وضع في نفسي مزيداً من حب الحديث، والعناية بعلومه، مع تنمية حب السنة المطهرة والنبي - صلى الله عليه وسلم-، فقد سألنا مرة: من يحفظ الحديث الذي يعلمنا ما نقول بعد الأذان؟ وكنت أحفظه من أيام قطنا، وفيه"..آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة.." فلما سمعني قال - رحمه الله-: الله يرضى عليك، لقد أمليت الحديث كله عليكم؛ لأن عبارة/الدرجة الرفيعة/ روايتها ضعيفة. فوضع في نفسي هذا التوجيه من الشيخ - رحمه الله تعالى- إلى مسألة الصحيح وغير الصحيح.

 

ولعل الله تعالى يمن عليَّ بإخراج السيرة الذاتية كاملة، كي يتسنى وفاء مشايخنا – رحمهم الله، وأجزل مثوبتهم – بعض مايستحقون.

 

أما في مرحلة الدراسة الجامعية والعليا، فقد كان من أبرز الشخصيات التي التقيت بها، وكان لها أبلغ الأثر في رحلة التعلم تلك؛ الشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله تعالى-, والشيخ مصطفى عبد الخالق ، وغيرهم.

 

ولاشك أن اللقاءات القليلة بالشهيدين حسن البنا، وسيد قطب - رحمهما الله تعالى-، وكذالك صحبة الشيخ السباعي - رحمه الله تعالى-، كان له أثره في تصحيح المحاور، والمعرفة بالواقع، مما لا مجال لتفصيله هنا.

 

س3: كيف ترون تأثير السنة النبوية على الجانب التربوي لدى الفرد المسلم ولدى الأمة المسلمة؟

 

تأثير السنة النبوية على الجانب التربوي من بديهيات الأمور في الواقع؛ ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان في سنته مبيناً للقرآن الكريم, وكان معلماً، ومربياً، ومزكياً للنفوس، وقد تكرر ذكر ذلك في القرآن الكريم.

وحسن الانتقاء من النصوص في الجانب التربوي له أثره في هذا الباب, يعني هنالك ثروة عظيمة جداً في السنة تتعلق في الجانب التربوي على اختلاف الوقائع، والمناسبات، والأشخاص, فإذا وفق المربي إلى حسن الاختيار من النصوص، وأجاد في إنزالها على الواقع في مكانها الطبيعي, وخصوصاً عندما يصلها المربي بالإيمان بالله تعالى، وصدق التوجه إليه ، وتعظيم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم- بحسن الاتباع .

 

وأحسب أن كثيراً من العلماء قد كتبوا في هذا الجانب، وأشاروا إلى هذا، ونحن كنا خلال تدريس السنة للطلبة نعتني بهذا الأمر, خصوصاَ لما كنت أدرس البلاغة النبوية في كلية الآداب بجامعة دمشق, إذ كنا نضع بالتعاون مع الأستاذ سعيد الأفغاني - رحمه الله تعالى-, كتاب رياض الصالحين بين يدي الطلبة, وكنا نعني كثيراَ باعتبار الناحية التربوية, وهنالك ثروة عظيمة إذا أحسن الاتصال بها، وأخذها، ووضعُ الأمور مواضعها.

 

وإذا أحسن التعامل مع السنة النبوية في المجال التربوي بخاصة, كان لذلك أثره على الفرد المسلم- ذكراَ كان أو أنثى- وعلى الأمة المسلمة, وخصوصاَ في هذه المرحلة من تاريخنا, التي ما مرََ على الأمة حقبة تاريخية هي أحوج ما تكون إلى التربوية النبوية من هذه الحقبة؛ لأنه بالتربية النبوية تستطيع بقدر من الله تعالى- والسنة بيان للقرآن الكريم- أن تواجه ما يعترضها من مصاعب و مشكلات ومتاعب- مع الاستعانة بالله تعالى- أن تفتح أبواب العلم على مصاريعها تربوياَ, وأبواب الجهاد، وأبواب العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان, إلى آخر هنالك.

 

ما أعنيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع أهله, في تعامله مع الصحابة, في تعامله مع جنوده, في تعامله مع الأطفال, في تعامله مع الأرقاء, في تعامله مع الخدم, في تعامله مع الأقوياء، والمسؤولين الكبار، وما إلى ذلك.. ما من قضية لها علاقة بهذه الأمور، إلا والجانب التربوي فيها واضح في سلوك النبي - صلى الله عليه وسلم-, ولعل هذا من معاني قوله تعالى "هو الذي بعث في الأميين رسولاَ منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.." وقد تكرر هذا في القرآن الكريم غير مرة.

 

إن تزكية النفس هي في الحقيقة جوهر التربية, لأنها أولاََ: تصلح مابين الإنسان ومابين الله تعالى, ثانيا: تصلح ما بينه وبين الخلق، وتفتح له الآفاق الطيبة المباركة في شؤون الحياة, وأن تكون الآخرة دائماَ منه بحسبان.

 

 

س4: مجلة حضارة الإسلام كنت رئيساَ لتحريرها, نودَ تعريف المتصفح للموقع بهذه المجلة, وكيف كانت البداية, وما الموضوعات التي كانت تهتم بها, ومدى تأثيرها في مجتمعنا الإسلامي, ولم توقفت؟

 

بعد أن عدت من مصر, حيث كان الإعداد للدكتوراه, بعدها بشهور توفي الأستاذ مصطفى السباعي - رحمة الله عليه-, الذي كان رئيساَ لتحرير مجلة "حضارة الإسلام", وبواقع صلة إخوانه به وبالمجلة رؤي تحميلي أمانة تحريرها, يعني أن أكون رئيساَ لتحريرها وذلك سنة 1965م للميلاد, واستمر ذلك حتى أغلقت سنة 1982م, ولكني دائماَ أعتبر أنها باقية, وأقول: أشرف بأن أكتب أني رئيس تحرير مجلة حضارة الإسلام في كتبي، وفي رسائلي، وما إلى ذلك.

 

أما الموضوعات فهي الموضوعات الإسلامية في أُصولها: موضوعات في التفسير، والفقه وأصوله, الموضوعات الفكرية, الموضوعات التي تعالج الواقع من زاوية إسلامية وعلى حسب الموضع الجغرافي للبلد الذي تذهب إليه مجلة الحضارة، لأنها كانت - والحمد لله- تقرأ في أكثر أنحاء العالم الإسلامي، فكان هذا مدعاة لأن تكون موضوعاتها مناسبة للأجواء التي يتحرك بها القراء، والظروف التي تحيط بهم.

 

يعني هنالك نوعان من الموضوعات: الموضوع الذي هو قدر مشترك بين القراء كلهم، ما يتعلق بالقرآن الكريم، وبالحديث الشريف، وبالتربية النبوية وبالجهاد.... وبالقضايا الاقتصادية، والقضايا الاجتماعية، وما إلى ذلك، هذا القدر مشترك بين المسلمين كلهم، ثم هناك قضايا خاصة مثلاً في العالم العربي والإسلامي، في بعض أنحاء من العالم، بحيث يشعر القارئ أنه ليس غريباً عما يُكتب، أو أن ما يكتب ليس غريباً عنه، إلى جانب أن فيها بعض زوايا مفيدة ومريحة: مسابقات، مفكرة الشهر .. هذا ما أذكره الآن، والحمد لله..

 

وكثيراً ما يتصل بي عدد من إخواننا، ويتحدثون عن تأثير"حضارة الإسلام" في حياتهم، وفي سلوكهم.

 

الواقع أنه كان للمجلة أثر كبير جداً، والحمد لله؛ أثر من النواحي العلمية، والفكرية، والسلوكية.

 

كانت تؤدي رسالة عظيمة، ورحم الله منشئها الدكتور/ مصطفى السباعي، وإن في صحيفته خير كثير من عطاء هذه المجلة، وأنا أذكر أنه قبل أن يتوفى - رحمه الله-، كان كلما التقينا يحثني، ويحث الجميع على الكتابة فيها، وكانت شيئاً مهماً جداً في حياته، فالمجلة، وتدريسه في الجامعة، وقيادته للعمل الإسلامي؛ هذه القضايا الثلاث كانت تملك عليه نفسه، وأحسبه - ولا أزكي على الله أحدا- أنه كان دائم الحرص على مرضاة الله تعالى في كل ما يعمل ويتصرف.

 

 

س5: لقد عملتم في مجال التدريس سنوات طويلة، وفي جامعات متعددة. هل لكم من مقترحات حول تطوير التعليم الديني في الجامعات، وما هي السلبيات التي تعيق مسيرة التعليم اليوم نحو التميز؟

 

من خلال تجربتي في التعليم الجامعي أود دائماً ألا يبتعد هذا التدريس عن الأصول الأولى في كل مادة من المواد، أعني أن يكون هذا الطالب مرتبطاً دائماً بالأصول، سواء بالقرآن، أو السنة، أو الفقه، أو الحديث وعلومه، أو السيرة، وما إلى ذلك، وأن يكون هناك عناية بجدَية البحث، فلا يغلب على البحث الطابع الإنشائي، والتيسير مطلوب لكن التيسر شيء، وأن ننأى عن جدَية البحث شيء آخر، ثم أدعو دائماً إلى العناية بالعربية في أسلوب التدريس، وأسلوب الاختبار، وما إلى ذلك.

 

والاستفادة مما تتيحه التقنية المعاصرة اليوم، مثل الشبكة العالمية(الإنترنت)، وما جدَّ من الوسائل؛ أمر طيب، شريطة ألا يكون على حساب القضايا الجوهرية بالنسبة للتدريس.

 

وكما كنت أرجو لنفسي، أرجو لكل إخواننا الذين يُدَرسون العلوم الإسلامية، أو يكتبون، أو يؤلفون، أو يحققون؛ أن يحرص الجميع على ابتغاء مرضاة الله تعالى، وألا ننسى الواقع الذي نعيش فيه، وما هو واجبنا في إسداء ما يغَير هذا الواقع إلى ما هو أفضل، إن شاء الله تعالى.

 

 

س6: إن الأمة الإسلامية تواجه اليوم من خلال تحديات من خلال وسائل مختلفة تبث شتى صنوف التغريب، والإلحاد، والتشويه, جعلت كثيرًا من أبنائها في ضياع، وبعد عن تعاليم هذا الدين العظيم, ما هو توجيهكم حيال هذا الواقع؟

 

واقع الأمة الإسلامية غير خاف على الغيورين من علماء و دعاة وموجهين. والمهم أن نحسن وضع العطاء الإسلامي الذي تشرق به المصادر موضعه في التعليم والتوجيه, مع الحفاظ على التوثيق واحترام الرأي الآخر مادام في الحدود العلمية. إذ كثيراَ ما يكون الاختلاف في الرأي ضمن حدود الاختلاف عند أئمتنا عنصراَ من عناصر ثروتنا العلمية والفكرية المباركة.

 

فليقدم كلُُّ قناعته بالدليل, ويحترم قناعة الآخر، ما دامت ضمن الإطار العلمي. و يرحم الله أئمتنا الذين درجوا على قول واحد منهم هذا رأيي بدليله, وهو عندي صواب يحتمل الخطأ, وأحترم رأيي غيري بالدليل, على أنه خطأ يحتمل الصواب.

 

وجميل أن نذكر أنه ليس عندنا في الإسلام رجال دين وكهنوت، ولكن عندنا علماء، ومصلحون، ومفكرون، ودعاة, والمفروض أن ينهل الكل من حقائق الإسلام بعناصر التخصص، مهما اختلفت العلوم والمصطلحات.

 

وبذلك نستطيع الإسهام –بعون الله- في حسن توجيه الأمة إلى العودة الصادقة إلى حقائق الإسلام, لأن هذه الحقائق هي موئل البشرية في النهاية، ولا غيرها. والله أعلم.

 

 

 

س7: علم مصطلح الحديث علم في غاية الأهمية, إذ ثمرته فهم الحديث الفهم السليم, ما الطريقة المناسبة للتطبيق العلمي لفهم المصطلح؟

 

الطريقة التي تبدو لي مناسبة في التطبيق العلمي لمصطلح الحديث طريقة التدرج في تطبيق المعلومات التي تقدمها علوم الحديث على النصوص, ثم المفهومات من تلك النصوص.

 

بحيث لا يكون المهم أن نضع الطالب ـ وهو يدرس المصطلح- أمام مادة محفوظات، ولكن أمام قواعد لها أهميتها في توثيق السنة، التي هي بيان الكتاب الكريم.

 

وعملُ علمائنا - يرحمهم الله- في حقول هذه القضية الكبرى عملٌ جدّ عظيم, والمهم أن ندرك مرامي ما صنعوه، ونحاول مرحلياً وصل ما بين الطلبة وبين ما صنعه أولئك الأفذاذ.

 

و البعد كل البعد عن عدم الربط بين القاعدة أو المعلومة، وبين النصوص, حسب المرحلة التعليمية, والله أعلم.

 

س8: كلمتكم الأخيرة لرواد الموقع ...

 

جزى الله خير جزائه القائمين على هذه الشبكة المباركة، شبكة السنة النبوية وعلومها؛ لأن في خدمة السنة النبوية وعلومها خيرًا كثيرًا، فالسنة بيان الكتاب"وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزل إليهم.." ، وبيان النبي - صلى الله عليه وسلم- للكتاب العزيز كان رحلة مباركة- دامت ثلاثة وعشرين عاماً – وذلك بالقول والفعل، والإقرار..

 

و استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم- من خلالها، تربية جيل من الصحابة، كان عنوان الوفاء لما حُمِّله من أمانة الكتاب وبيانه، وعمل ذلك ـ وما يزال- في تاريخ أمتنا التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.

 

 

 

 

                                                             أجرى الحوار

                                                          

                                                            سليمان الحرش   

 

                                                       الرياض   1/2/1430هـ

 

 

 

 



بحث عن بحث