السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(7)

 

 

 اعتراض الشاطبي على الدليل السابق .

أورد الإمام الشاطبي هذه الآيات ووجه الاستدلال بها على حسب فهمه ، ثم اعترض عليها ، وهذا نص ما قال :

قال ــ رحمه الله ــ " فإن قيل ، قال الله تعالى :( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)[ سورة النساء / 65 ] ، والآية نزلت في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بالسقى قبل الأنصاري من شراج الحرة (1) ــ الحديث مذكور في " الموطأ " (2)، وذلك ليس في كتاب الله ، ثم جاء ـ أي في الآية السابقة ـ في عدم الرضى به من الوعيد ما جاء ــ إذ عد ذلك خروجا عن الإيمان ، يعني ، فالكتاب شهد للسنة بالاعتبار في موضوع ليس في القرآن .

وقال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[ سورة النساء / 59 ] .

والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب ، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد موته ، وقال :( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ)[سورة المائدة /92 ] ، وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله ، فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه ، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن ، إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله .

وقال :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) [ سورة النور / 63  ، فقد اختص الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء يطاع فيه ، وتلك السنة التي لم تأت في القرآن ، وقال :( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)[ سورة النساء /80 ] ، وقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[ سورة الحشر / 7 ] .

وأدلة القرآن تدل على أن كل ما جاء به الرسول وكل ما أمر به ونهى ، فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن ، فلابد أن يكون زائدا عليه (3).

ثم أجاب فقال : " إنا إذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب ، فلابد أن تكون بيانا لما في الكتاب احتمال له ولغيره ، فتبين السنة أحد الاحتمالين دون الآخر ، فإذا عمل المكلف على وفق البيان ، أطاع الله فيما أراد بكلامه ، وأطاع رسوله في مقتضى بيانه ، ولو عمل على مخالفة البيان ، عصى الله تعالى في عمله على مخالفة البيان ، إذ صار عمله على خلاف ما أراد بكلامه ، وعصى رسوله في مقتضى بيانه ، فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق ، وإذا لم يلزم ذلك ، لم يكن في الآيات دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب ، بل قد يجتمعان في المعنى ، ويقع العصيانان والطاعتان من جهتين ، ولا محال فيه .

ويبقى النظر في وجود ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن ، يأتي على أثر هذا بحول الله تعالى ، وقوله في السؤال : " فلابد أن يكون زائدا عليه " مسلم ، ولكن هذا الزائد ، هل هو زيادة الشرح على المشروح ؟ إذ كان للشرح بيان ليس في المشروح وإلا لم يكن شرحا ، أم هو زيادة معنى آخر لا يوجد في الكتاب ؟ هذا محل النزاع " (4).


(1) الشراج : مجاري الماء من الحرار إلى السهل ، وأحدهما شرج ، بالفتح والتسكين .

(2) الحديث ليس في " الموطأ " برواياته الخمس المطبوعة بين أيدينا ، وقد سبق تخريجه .

(3) الموافقات ( 4 / 320 ـ 322 ) ط : دار ابن عفان .

(4) الموافقات ( 4 / 331 ـ 333 ) .

 

 



بحث عن بحث