أحاديث البيوع (22)

ثمن الدم

 

الْحُكْم الْخَامِس ثَمَن الدَّم, وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِهِ فَقِيلَ: أُجْرَة الْحِجَامَة, وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِره, وَالْمُرَاد تَحْرِيم بَيْع الدَّم كَمَا حُرِّمَ بَيْع الْمَيْتَة وَالْخِنْزِير, وَهُوَ حَرَام إِجْمَاعًا أَعْنِي بَيْع الدَّم وَأَخْذ ثَمَنه.

الحكم السادس: كسب الحجام، قال النووي في شرح صحيح مسلم:

أَمَّا (كَسْب الْحَجَّام) وَكَوْنه خَبِيثًا وَمِنْ شَرّ الْكَسْب فَفِيهِ دَلِيل لِمَنْ يَقُول بِتَحْرِيمِهِ. وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَسْب الْحَجَّام؛ فَقَالَ الأَكْثَرُونَ مِن السَّلَف وَالْخَلَف: لا يَحْرُم كَسْب الْحَجَّام, وَلا يَحْرُم أَكَلَهُ لا عَلَى الْحُرّ وَلا عَلَى الْعَبْد, وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَحْمَد, وَقَالَ فِي رِوَايَة عَنْهُ قَالَ بِهَا فُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ: يَحْرُم عَلَى الْحُرّ دُون الْعَبْد, وَاعْتَمَدُوا هَذِهِ الأَحَادِيث وَشِبْههَا, وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِحَدِيثِ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِحْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّام أَجْره. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيّ [برقم 2279] وَمُسْلِم [برقم 1202]. وَحَمَلُوا هَذِهِ الأَحَادِيث الَّتِي فِي النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه وَالارْتِفَاع عَنْ دَنِيء الأَكْسَاب, وَالْحَثّ عَلَى مَكَارِم الأَخْلاق وَمَعَالِي الأُمُور. وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُفَرِّق فِيهِ بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد؛ فَإِنَّهُ لا يَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يُطْعِم عَبْده مَا لا يَحِلّ.

وقال ابن حجر:

قَوْله : ( بَاب خَرَاج الْحَجَّام ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس . " اِحْتَجَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّام أَجْره " وَزَادَ مِنْ وَجْه آخَر " وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَة لَمْ يُعْطِهِ " وَهُوَ ظَاهِر فِي الْجَوَاز , وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع بِلَفْظِ " وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ وَعُرِفَ بِهِ أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَرَاهَةِ هُنَا كَرَاهَة التَّحْرِيم . وَكَأَنَّ اِبْن عَبَّاس أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ كَسْب الْحَجَّام حَرَام . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء بَعْد ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ حَلَال وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَالُوا : هُوَ كَسْب فِيهِ دَنَاءَة وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ , فَحَمَلُوا الزَّجْر عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيه . وَمِنْهُمْ مَنْ اِدَّعَى النَّسْخ وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ, وَالنَّسْخ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ. وَذَهَبَ أَحْمَد وَجَمَاعَة إِلَى الْفَرْق بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَاف بِالْحِجَامَةِ , وَيَحْرُم عَلَيْهِ الْإِنْفَاق عَلَى نَفْسه مِنْهَا وَيَجُوز لَهُ الْإِنْفَاق عَلَى الرَّقِيق وَالدَّوَابّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا , وَعُمْدَتهمْ حَدِيث مُحَيِّصَةَ أَنَّهُ " سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْب الْحَجَّام فَنَهَاهُ , فَذَكَر لَهُ الْحَاجَة فَقَالَ : اِعْلِفْهُ نَوَاضِحك " أَخْرَجَهُ مَالِك وَأَحْمَد وَأَصْحَاب السُّنَن وَرِجَاله ثِقَات , وَذَكَرَ اِبْن الْجَوْزِيّ أَنَّ أَجْر الْحَجَّام إِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم إِعَانَة لَهُ عِنْد الِاحْتِيَاج لَهُ, فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا. وَجَمَعَ اِبْن الْعَرَبِيّ بَيْن قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَسْب الْحَجَّام خَبِيث" وَبَيْن إِعْطَائِهِ الْحَجَّام أُجْرَته بِأَنَّ مَحَلّ الْجَوَاز مَا إِذَا كَانَت الأُجْرَة عَلَى عَمَل مَعْلُوم, وَيُحْمَل الزَّجْر عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى عَمَل مَجْهُول. وَفِي الْحَدِيث إِبَاحَة الْحِجَامَة, وَيَلْتَحِق بِهِ مَا يُتَدَاوَى مِنْ إِخْرَاج الدَّم وَغَيْره, وَفِيهِ الأُجْرَة عَلَى الْمُعَالَجَة بِالطِّبِّ ....

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 



بحث عن بحث