من محظورات الإحرام

 

عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سئل عما يلبس المحرم من الثياب، فقال: (لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فيلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسّه الزّعفران أو الورس) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي رواية عند البخاري: (ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين).

هذا الحديث أصل في محظورات الإحرام بالحج والعمرة نقف معه بما يلي:

الوقفة الأولى: قال: (سئل عما يلبس المحرم من الثياب) المحرم هو من تلبس بالإحرام، والإحرام الإهلال بحج أو عمرة، ومباشرة أسبابها وشروطها، من خلع المخيط، واجتناب الأشياء التي منع الشرع منها، قال الحافظ ابن حجر: (المراد بالمحرم: من أحرم بحج، أو عمرة، أو قرن).

قال العلماء: الإحرام: في اللغة: نية الدخول في التحريم.

وفي الاصطلاح: نية النسك أي نية الدخول فيه.

وقوله: فعال (لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات الخ) قال الحافظ: (سئل عما لا يلبس فأجاب بما لا يلبس؛ ليدل بالالتزام عن طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر) اهـ.

ولا يلبس: اللام نافية، وهو خبر بمعنى النهي.

والقميص: الثوب ذو الأكمام.

والعمائم: ما يلف على الرأس تكويراً.

والسراويلات: جمع سروال، وهو لباس يغطي السرة والفخذين.

والبرانس: كل ثوب رأسه منه، ملتزق به.

والخفاف: جمع خف، وهو ما يلبس في الرجل من جلد دقيق.

والزعفران: الصبغ المعروف، وهو نبات بصلي، لونه بين الصفرة والحمرة.

والوَرْس: نبت أصفر يصبغ به الثياب، وله رائحة طيبة، ويكثر في اليمن.

والنقاب: الخمار الذي يشد على الأنف تحت المحاجر.

والقفاز: ما تلبسه المرأة في يدها، فيغطي أصابعها وكفيها، وهو لليد كالخف للرجل.

الوقفة الثانية: قال ابن دقيق العيد (اتفقوا على المنع من لبس ما ذكر في الحديث، والفقهاء القياسيون عدّوه إلى ما رأوه من معناه في العمائم والبرانس تعدّى إلى كل ما يغطي الرأس مخيطاً أو غيره. ولعل العمائم تنبيه على ما يغطها من غير المخيط، والبرانس تنبيه على ما يغطها من المخيط، والتنبيه بالقمص على تحريم المخيط بالعضو الخاص إحاطة مثله في العادة، ومنه السراويلات؛ لاحاطتها بالوسط إحاطة المحيط) اهـ بتصرف.

الوقفة الثالثة: ذكر في الحديث بعض محظورات الإحرام ومنها:

عدم لبس القمص، فقال: (لا يلبس القميص) ووضع عليه الفقهاء قاعدة وهي: عدم لبس المخيط المحيط بالبدن، قال ابن قدامة: (قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القمص، والعمائم، ولا السراويلات، والخفاف، والبرانس).

الوقفة الرابعة: يدل الحديث على أن من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، قال ابن قدامة: (ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار والخفين، إذا لم يجد النعلين).

وهل يفدي إذا لبس ذلك؟ قال ابن قدامة (وهو صريح في الإباحة ظاهر في إسقاط الفدية، أمر بلبسه، ولم يذكر فدية؛ ولأنه يختص لبسه في حالة عدم غيره فلم تجب به فدية كالخفين المقطوعين)اهـ.

الوقفة الخامسة: ذكر في الحديث أن من محظورات الإحرام عدم تغطية رأس الذكر، ويؤيد هذا الحديث حديث الذي وقصته راحلته فمات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً).

والممنوع من تغطية الرأس ما كان ملاصقاً كالعمامة، والطاقية، والغترة ونحوها، أما إذا لم يكن ملاصقاً فليس بممنوع، كالسيارة، والخيمة، ونحوها، فقد ظلل على النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو محرم يوم عرفة.

الوقفة السادسة: ومن المحظورات عدم مس الطيب، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم-: (ولا تلبسوا شيئاً مَسَّهُ الزعفران أو الورس) قال ابن قدامة (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في المحرم الذي وقصته راحلته: (لا تمسوه بطيب).

الوقفة السابعة: بينت رواية البخاري - رحمه الله- أن المرأة ممنوعة من لبس النقاب والقفازين حال الإحرام، فإحرام المرأة في وجهها، فلا يجوز تغطيته إلا إذا كانت بحضرة رجال أجانب عنها، يؤيد ذلك ما روته عائشة - رضي الله عنها- قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه.

الوقفة الثامنة: مما بينه أهل العلم أن هذه الممنوعات إذا خالفها المحرم بأنه يفدي إذا كان معتمراً، والفدية على التخيير ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، والله أعلم.

 



بحث عن بحث