الحلقة (94)معالم ومجالات العلاقة بين العقل والسنة النبوية (4-5)

5- ومن معالم العلاقة أن السنة النبوية جاءت بكثير من الأحكام المختلفة في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والجنايات والأوقاف والمواريث وغيرها، وهذا الأحكام لها عِلل وحِكم في تشريعها بينت السنة كثيرًا منها، وكثير لم يبين ولذلك اجتهد أهل العلم رحمهم الله تعالى في استنباط ما يمكن استنباطه.

فأما علل الأحكام فما كان مبينًا منها يؤخذ به، وأما ما لم يبين فإما أن يكون في العبادات، أو في الغيبيات فهذا يبقى توقيفيًا بمعنى أن مهما بحث المجتهد لا يمكن أن يصل إلى العلة المرادة مثل علة كون الصلوات خمس صلوات، ومثلها أعداد ركعاتها أو علة عذاب القبر ونحو ذلك.

فهذا لا يمكن للعقول إدراكه مهما بحثت فيه فتبقى العلة تعبديةً فيسلم بها المسلم ويعمل بها.

أما استنباط بعض الحِكم والتماس الآثار فهذا أمره واسع وللعقل فيه مجال، وقد بذل العلماء رحمهم الله في ذلك جهدًا كبيرًا على مدار التاريخ. سواء ما كان من النصوص مباشرة أو التماسًا من التشريع نفسه.

وأما المعاملات ونحوها فهذا يمكن بحث العلة فيه، ولذا بحثها علماء الأصول رحمهم الله وأجرى الفقهاء كثيرًا من القياسات التي ترتبت عليها كثير من الأحكام، مثل قياس المخدرات على المسكرات لعلة الإسكار وغياب العقل، وهكذا.

فتحصّل لدينا أن من مواطن العلاقة إعمال العقل في استنباط علل الأحكام من السنة النبوية في غير أمور الاعتقاد والتعبد، وكذا استنباط الحكم والأسرار والفوائد والآثار من عامة النصوص.

6- ومن مجالات العلاقة: الاجتهاد فيما ورد في السنة من علوم ومعارف، وإعمال العقل في ذلك، بل هو من أعظم المجالات التي يمكن للعقل أن يبحر فيها، ذلك أنه من المعلوم أنه على مدار التاريخ وجدت علوم ومعارف وربما يكون لها أصل تاريخي قديم، والسنة النبوية مليئة بما تحويه كنوزها. فالعقل المسلم السليم يحاول استخراج هذه الكنوز والمعارف ولنضرب مثالًا على ذلك: فعلم النفس والاجتماع والتربية علوم أخذت موقعًا كمبدأ في هذه الحقبة الزمنية، والسنة النبوية تحوي أصولًا لهذه العلوم، وتطبيقات فالعقل يستطيع أن يستخرجها وقد وُجدت بحوث في أقسام السنة النبوية في الجامعات أثبتت عمليًا هذا الأمر.

فدور العقل هنا مهم جدًّا.



بحث عن بحث