الحلقة (87)العلاقة بين العقل والسنة النبوية(2-3)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن العلاقة بين العقل والنقل من خلال ذكر القاعدة العامة في ذلك، وفي هذه الحلقة نذكر العلاقة بينهما على وجه التفصيل.

وتقرير ذلك من عدة نقاط:

1- أن النقل والعقل هما حجة الله سبحانه على خلقه، فالله سبحانه وتعالى وجه الناس إلى استخدام عقولهم في التصديق بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وبالكتب المنزلة عليهم، والقرآن الكريم مليء بالآيات العظيمة المحركة للعقول للدلالة على الإيمان بالله ووجود سبحانه وربوبيته ومعرفته ومن ثمّ عبادته سبحانه وأن لا معبود بحق سواه وتعالى. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في بيان معرض هذه الحقيقة: (السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل، وبما أنزل إليهم من السمع، والعقل الصريح لا يتناقض في نفسه، كما أن السمع الصحيح لا يتناقض في نفسه، وكذلك العقل مع السمع، فحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد).

وهذا واضح في كثير من الآيات وبخاصة في تقرير مسائل الاعتقاد مثل قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}(1)

فنلحظ في الآية استخدام العقل في تقرير ألوهية المولى جل وعلا، وهذا هو ما بعث الله به الرسل.

وعليه فقد تعاضد الدليلان على هذه القضية الأساس وهي عبودية الله سبحانه وأنه لا معبود بحق سواه.

2- أنه لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، ولو انفك أحدهما ولم يتلازما كان نتيجة ذلك التناقض ليس في التشريع فحسب بل في مسارات الحياة كلها، وعليه فما يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر، فالنظر العقلي دليل على صحة السمع، والوصول إلى صحة السمع دليل على صحة النظر العقلي. وادعاء التعارض بينهما هو إبطال لهما أو لأحدهما وإذا كان ذلك كذلك فهما متوافقان وليسا متعارضين.

3- أن القول بالتعارض يؤول إلى إنكار السمع - القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة -، ومن ثمَّ يؤول هذا الإنكار إلى إنكار الإيمان بالرسول ﷺ، ومن ثمّ إلى إنكار الإيمان بالقرآن الكريم الذي هو بزعمه لا ينكره، ولكنه أنكره باللازم لأن القرآن الكريم هو الذي أخبر بنبوة النبي ﷺ، والقرآن مليء بالآيات الدالة على ذلك.

4- إن القول بالتعارض يؤدي إلى فقدان التشريع، وعدم اكتماله، وتخبط العقول فيه. وهذا لازم واضح إذ إن القرآن الكريم جاء بالأصول وببعض التشريعات ولكن التشريع المفصل القولي والفعلي في السنة النبوية.

وهذا يقود إلى مسألة خطيرة أخرى وهي أن الرسول ﷺ لم يأت بالحق لأن الحق عند من يقول بالتعارض هو ما تمليه عقولهم فإذا خالفت ما يقوله عليه الصلاة والسلام ورجحوا ما تنظره عقولهم أدَّى إلى أن قول الرسول ﷺ ليس بحق.

وهذا – أيضًا – تكذيب بالقرآن الكريم الذي تظافرت فيه الأدلة على وجوب السمع والطاعة والاستجابة للرسول ﷺ، والحذر من مخالفته.

وللموضوع بقية في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى. 
_______________________________________
1-[المؤمنون: 91].



بحث عن بحث