الحلقة (24) أثر النية في الأعمال

تبين معنا في الحلقة السابقة حاجة الأعمال الظاهرة إلى النيات، وأن العبادات التي تخلو من النية لا قيمة لها أبدًا، ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عن أثر النية في العمل.

إن العبادات التي تنبعث بنية غير صادقة لا تعتبر باطلة فحسب، بل يعاقب صاحبها بسبب قصده الفاسد.

فالعبادات التي يقوم بها المراؤون والمنافقون وعباد الدينار والدرهم وزرها عظيم، وحسابها شديد، يقول تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}(1)

ولذلك رتب الرسول ﷺ الثواب والمغفرة في أكثر من عمل على القيام بالأعمال بنية صالحة، منها على سبيل المثال قوله ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (2)

وقوله ﷺ: «من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط »(3)

وقوله ﷺ: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة»(4)

فهذه أعمال متنوعة وغيرها كثيرة، الأجر متوقف فيها على صدق النية وسلامة المقصد، ومما يدل على ذلك صراحة قوله ﷺ: 

«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(5)

ذلك أن النية رأس الأمر وعموده، وأساسه وأصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها، يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، ويعدمها الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، فكم بينَ مريدٍ بالفتوى وجه الله ورضاه والقرب منه وما عنده، ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته وما يناله منه تخويفًا أو طعمًا فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة، وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب، هذا يفتى لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر، ورسوله هو المطاع، وهذا يفتى ليكون قوله هو المسموع، وهو المشار إليه، وجاهه هو القائم، سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما، فالله المستعان.

وقد جرت (سنة الله تعالى) أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبِغضة ما هو لائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء.
__________________________

(1) [الفرقان: 23].

(2) (صحيح البخاري[2014])

(3) (صحيح البخاري[47]).

(4) (صحيح البخاري[2853]).

(5) (صحيحالبخاري [1]).



بحث عن بحث